للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لا يخرجون عنه، ولا حظَّ لأحد منهم في التعصيب. ولم يذكر فيها أحدًا من العصبة، بخلاف من ذُكِر في آية العمودين الآية التي قبلها، فإن لجنسهم حظًّا في التعصيب. ولهذا قال في آية الإخوة من الأم والزوجين: {غَيْرَ مُضَارٍّ} ولم يقل ذلك في آية العمودين، فإن الإنسان كثيرًا ما يقصد ضرار الزوج وولد الأم، لأنهم ليسوا من عصبته؛ بخلاف أولاده وآبائه فإنه لا يضارُّهم في العادة. فإذا كان النص قد أعطى ولد الأم الثلث لم يجُز تنقيصهم منه. وأما ولد الأبوين فهم جنس آخر، وهم عصبته، وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ألحِقُوا [٢١٦/ب] الفرائضَ بأهلها، فما بقي فلأولى رجُلٍ ذكَرٍ» (١). وفي هذه المسألة لم تُبْقِ الفرائض شيئًا، فلا شيء للعصبة بالنص.

وأما قول القائس: «هَبْ أن أبانا كان حمارًا»، فقول باطل حسًّا وشرعًا، فإن الأب لو كان حمارًا لكانت الأم أتانًا. وإذا قيل: يقدَّر وجوُده كعدمه، قيل: هذا باطل، فإن الموجود لا يكون كالمعدوم. وأما بطلانه شرعًا، فإن الله سبحانه حكم في ولد الأبوين بخلاف حكمه في ولد الأم.

فإن قيل: الأب إن لم ينفعهم لم يضرَّهم.

قيل: بلى (٢)! قد يضرُّهم كما ينفعهم، فإنَّ ولدَ الأم لو كان واحدًا وولدَ الأبوين مائةً، وفضَل نصفُ سُدُسٍ انفرد ولدُ الأم بالسدس، واشترك ولد الأبوين في نصف السدس. فهلَّا قبلتم قولهم هاهنا: هَبْ أن أبانا كان حمارًا! وهلَّا قدَّرتم الأب معدومًا، فخرجتم عن القياس كما خرجتم عن النص! وإذا جاز أن ينقصهم الأب جاز أن يحرمهم.


(١) أخرجه البخاري (٦٧٣٢) ومسلم (١٦١٥) من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -.
(٢) في النسخ المطبوعة: «بل».