للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ثلاثة أرباع الدية. وبقي الربع الآخر لم يتولَّد من فعله وإنما تولَّد من التزاحم فلم يُهدَر. وأما الثاني فلأن هلاكه كان من ثلاثة أشياء: جذبِ مَن قبله له، وجذبه هو لثالث، ورابع. فسقط ما يقابل جذبَه، وهو ثلثا الدية، واعتُبِر ما لا صنع له فيه، وهو الثلث الباقي. وأما الثالث فحصل تلفه بشيئين: جذبِ مَن قبله له، وجذبِه هو للرابع، فسقط فعلُه دون السبب الآخر، فكان لورثته النصف. وأما الرابع فليس منه فعل البتة، وإنما هو مجذوب محض، فكان لورثته كمال الدية. وقضى بها على عواقل الذين حضروا البئر لتدافعهم وتزاحمهم.

فإن قيل: على هذا سؤالان: أحدهما أنكم لم توجبوا على عاقلة الجاذب شيئًا مع أنه مباشر، وأوجبتم على عاقلة من حضر البئر ولم يباشر، وهذا خلاف القياس. الثاني: أنَّ هذا هَبْ أنه يتأتى (١) لكم فيما إذا ماتوا بسقوط بعضهم على بعض، فكيف يتأتَّى لكم [٢٧٠/أ] في مسألة الزُّبية، وإنما ماتوا بقتل الأسد، فهو كما لو تجاذبوا، فغرقوا في البئر؟

قيل: هذان سؤالان قويَّان. وجواب الأول أن الجاذب لم يباشر الإهلاك، وإنما تسبَّب إليه. والحاضرون تسبَّبوا بالتزاحم، وكان تسبُّبهم أقوى من تسبُّب الجاذب؛ لأنه ألجئ إلى الجذب. فهو كما لو ألقى إنسانٌ إنسانًا على آخر، فنفَضه عنه لئلا يقتله، فمات، فالقاتل هو الملقي.

وأما السؤال الثاني، فجوابه أن المباشر للتلف كالأسد والماء والنار، لما لم يمكن الإحالة عليه أُلغي فعله، وصار الحكم للسبب. ففي مسألة


(١) ت: «هب أن هذا يتأنّى». وأخشى أن يكون إصلاحًا للنص.