للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

صاحبيه ما يخصُّه، وهو ثلث الدية.

ووجه آخر أحسن من هذا: أنه لما أتلفه عليهما بوطئه ولحوقِ الولد به وجب عليه ضمانُ قيمته. وقيمة الولد شرعًا هي ديته، فلزمه لهما ثلثا قيمته وهي ثلثا الدية. وصار هذا كمن أتلف عبدًا بينه وبين شريكين له، فإنه يجب عليه ثلثا القيمة لشريكيه. فإتلافُ الولد الحرِّ عليهما بحكم القرعة كإتلاف الرقيق الذي بينهم.

ونظير هذا تضمين الصحابة المغرور بحرية الأمة لما فات رقُّهم على السيد بحريتهم، وكانوا بصدد أن يكونوا أرِقَّاء له. وهذا من ألطف ما يكون من القياس وأدقِّه، ولا يهتدي إليه إلا أفهام الراسخين في العلم. وقد ظن طائفة أن هذا أيضًا على خلاف القياس، وليس كما ظنوه (١)، بل هو محض الفقه، فإن الولد تابع للأم في الحرية والرق، ولهذا ولدُ الحرِّ من أمة الغير رقيق، وولدُ العبد من الحُرَّة حُرّ.

قال الإمام أحمد (٢): إذا تزوج الحُرُّ بالأمة رقَّ نصفُه، وإذا تزوج [٢٧٣/ب] العبدُ بالحرة عتَق نصفُه. فولد الأمة المزوَّجة بهذا المغرور كانوا بصدد أن يكونوا أرِقَّاء لسيدها، ولكن لما دخل الزوج على حرية المرأة دخل على أن يكون أولاده أحرارًا، والولد يتبع اعتقاد الواطئ، فانعقد ولده أحرارًا. وقد فوَّتهم على السيد، وليس مراعاة أحدهما بأولى من مراعاة الآخر، ولا تفويتُ حقِّ أحدهما بأولى من حق صاحبه. فحفِظ الصحابةُ الحقَّين، وراعوا الجانبين، فحكموا بحرية الأولاد وإن كانت أمهم رقيقة؛


(١) في النسخ المطبوعة: «ظنوا».
(٢) في رواية ابن هانئ. انظر «مسائله» (ص ٢٤٩).