للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

لأن الزوج إنما دخل على حرية أولاده، ولو توهم رقَّهم لم يدخل على ذلك. ولم يضيِّعوا حقَّ السيد، بل حكموا على الواطئ بفداء أولاده، وأعطَوا العدل حقَّه؛ فأوجبوا فداءهم بمثلهم تقريبًا لا بالقيمة. ثم وفوا العدل بأن مكَّنوا المغرور من الرجوع بما غرِمه على من غرَّه؛ لأن غُرمه كان بسبب غروره. والقياس والعدل يقتضي أن من تسبَّب إلى إتلاف مال شخص أو تغريمه أنه يضمن ما غرِمه، كما يضمن ما أتلفه؛ إذ غايته أنه إتلافٌ بسبب، وإتلافُ المتسبِّب (١) كإتلاف المباشر في أصل الضمان.

فإن قيل: وبعد ذلك كلّه، فهذا خلاف القياس أيضًا. فإن الولد كما هو بعض الأم وجزء منها، فهو بعض الأب. وبعضيَّتُه للأب أعظم من بعضيَّته للأم. ولهذا إنما يذكر الله سبحانه في كتابه تخليقه من ماء الرجل كقوله: {فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ مِمَّ خُلِقَ (٥) [٢٧٤/أ] خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ (٦) يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرَائِبِ} [الطارق: ٥ - ٧]، وقوله: {أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى} [القيامة: ٣٧] ونظائرها من الآيات التي إن لم تختص بماء الرجل فهي فيه أظهر. وإذا كان جزءً من الواطئ وجزءً من الأم فكيف كان ملكًا لسيِّد الأم دون سيِّد الأب؟ ويخالف القياس من وجه آخر، وهو أن الماء بمنزلة البَذْر، ولو أن رجلًا أخذ بذرَ غيره، فزرَعه في أرضه، كان الزرع لصاحب البذر، وإن كان عليه أجرة الأرض.

قيل: لا ريب أن الولد منعقد من ماء الأب كما هو منعقد من ماء الأم، ولكن إنما تكوَّن وصار مالًا متقوِّمًا في بطن الأم. فالأجزاء التي صار بها


(١) في المطبوع: «المسبِّب».