كذلك من الأم أضعاف أضعاف الجزء الذي من الأب، مع مساواتها له في ذلك الجزء؛ فهو إنما تكوَّن في أحشائها من لحمها ودمها. ولما وضعه الأب لم يكن له قيمة أصلًا، بل كان كما سمَّاه الله ماءً مهينًا لا قيمة له. ولهذا لو نزا فحلُ رجل على رَمَكةِ آخر كان الولد لمالك الأم باتفاق المسلمين. وهذا بخلاف البذر فإنه مال متقوِّم، له قيمة قبل وضعه في الأرض يعاوض عليه بالأثمان، وعَسْبُ الفحل لا يعاوض عليه، فقياس أحدهما على الآخر من أبطل القياس.
فإن قيل: فهلا طردتم ذلك في النسب، وجعلتموه للأم كما جعلتموه للأب!
قيل: قد اتفق المسلمون على أن النسب للأب، كما اتفقوا على أنه يتبع الأم في الحرية والرق. وهذا هو الذي تقتضيه حكمة الله شرعًا وقدرًا، [٢٧٤/ب] فإن الأب هو المولود له، والأم وعاء وإن تكوَّن فيها. والله سبحانه جعل الولد خليفة أبيه، ونسخته (١)، والقائم مقامه، ووضع الأنساب بين عباده. فيقال: فلان بن فلان، ولا تتم مصالحهم وتعارفهم ومعاملاتهم إلا بذلك، كما قال تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا}[الحجرات: ١٣]. فلولا ثبوت الأنساب من قبل الآباء لما حصل التعارف، ولفسد نظام العباد. فإن النساء محتجبات مستورات عن
(١) في النسخ المطبوعة: «شجنته». وما أثبت من النسخ الخطية موافق لما جاء في «الطرق الحكمية» (٢/ ٥٧٨): «فإن الله سبحانه وتعالى أجرى العادة بكون الولد نسخة أبيه».