للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

العيون، فلا يمكن في الغالب أن تعرف عينُ الأم، ليُشهد (١) على نسب الولد منها. فلو جعلت الأنساب للأمهات لضاعت وفسدت، وكان ذلك مناقضًا للحكمة والرحمة والمصلحة.

ولهذا إنما يدعى الناس يوم القيامة بآبائهم، لا بأمهاتهم. قال البخاري في «صحيحه» (٢): «باب يدعى الناس بآبائهم يوم القيامة». ثم ذكر حديث: «لكل غادر لواء يوم القيامة عند استه بقدر غدرته، يقال: هذه غدرة فلان بن فلان» (٣).

فكان من تمام الحكمة أن جعل الحرية والرق تبعًا للأم، والنسب تبعًا للأب. والقياس الفاسد إنما يجمع بين ما فرَّق الله بينه، أو يفرِّق بين ما جمع الله بينه.

فإن قيل: فهلا طردتم ذلك في الولاء، بل جعلتموه لموالي الأم، والولاءُ لُحمةٌ كلُحمة النسب!

قيل: لما كان الولاء من آثار الرِّقِّ وموجباته كان تابعًا له في حكمه، فكان لموالي الأم. ولما كان فيه شائبة النسب، وهو لُحمةٌ كلُحمته، رجع إلى موالي الأب عند [٢٧٥/أ] انقطاعه عن موالي الأم، فرُوعِيَ فيه الأمران، ورُتِّب عليه الأثران.


(١) في النسخ المطبوعة: «فيشهد».
(٢) قبل الحديث برقم (٦١٧٧).
(٣) هذا اللفظ ملفق من حديث ابن عمر عند البخاري (٦١٧٧) ومسلم (١٧٣٥) وحديث أبي سعيد عند مسلم (١٧٣٨) وأحمد (٦٠٩٣) والترمذي (٢١٩١).