ومن قال:(مَا وَرَاءَ): بعد، أي: ما بعد الأربعة الأصناف المحرمة: المحرمات بالنسب، والمحرمات بالرضاعة، والمحرمات بالصهر، والمحرمات بالجمع، يقول: أحل لكم ما بعد هَؤُلَاءِ الأربعة الأصناف.
وقيل في قوله:(وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ): هن المتعففات من الإماء (إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ) من الإماء المسافحات الزانيات، كأنه قال: فاستمتعوا بالمتعففات منهن ولا تستمتعوا بالزانيات؛ لأنهن يلبسن عليكم النسب، وهو كقوله - تعالى -: (وَلَا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا).
وقوله:(وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ) بين اللَّه - تعالى - أن النكاح لا يكون إلا ببدل يكون مالًا؛ لأنه قال:(بِأَمْوَالِكُمْ).
وفي الآية دلالة -أيضًا- على أن ما يملك ولا يقع عليه اسم المال لا يَكْفِيَنَ مهرًا؛ لأنه قال:(أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ) ولا يسمَّى الدانق والحبة: مالًا، ولو كانت الحبة مالًا كانت التمرة مالًا، فثبت بما وصفنا من دلالة الآية أن المهور لا تكون إلا من الأملاك.
فَإِنْ قِيلَ: روي أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قال لرجل:" قَدْ زَوجْتُكَهَا بِمَا مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ "، قيل: تأويله عندنا - واللَّه أعلم -: " بما معك من القرآن " أي: من أجل ما معك من القرآن، ولا يجوز أن تكون السورة مهرًا بدليل الكتاب؛ لأنها ليست بمال، وكذلك كل شيء ليس بمال ولا يكون له قيمة، فلا يجوز أن يكون مهرًا، وكذلك قوله - سبحانه وتعالى -: (فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ)، يدل على أن السورة وما لا يتمول لا يكون مهرًا.
وروي عن أنس أن عبد الرحمن بن عوف - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - تزوج على وزن نواة من