يدل على أن الخلع إليهما دون الحكمين، وكان الحكمين يُوَجَّهَانِ؛ ليعرف مَنِ الظالم من الزوجين؟ يُستَظْهَرُ بهما على الظالم؛ لأن كل واحد منهما إذا شكى بين الناس من صاحبه - لا يعرف الظالم منهما من غير الظالم، فإن كان الزوج هو الظالم أُخِذَ على يده، وقيل: لا يحل لك أن تفعل هذا لتختلع منك، وأُمِرَ بالإنفاق عليها، وإن كانت هي الظالمة وكانت في غير منزله ناشزة - لم يؤمر بالإنفاق عليها، وقيل له: قد حلت الفدية، وكان في أخذها معذورًا بما ظهر للحكمين من نشوز المرأة، واللَّه الموفق.
وفي قوله -أيضًا-: (إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا) لا يخلو من أمرين: إما أن يريد به الزوجين، أو الحكمين.
ثم الإصلاح يكون مرة بالجمع، ومرة بالتفريق؛ فعلى الجمع تأويل التوفيق: الجمع بينهما، وعلى إرادة التفريق تأويله: التوفيق للإصلاح، وعلى التوفيق للإصلاح يدخل فيه الأمران، وفي ذلك أن الفرقة والاجتماع إليهما؛ إذ عليهما إرادة الإصلاح، وانصرف معنى الآية إلى الزوجين، وأيد ذلك قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا. . .)، إلى قوله:(وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا. . .) الآية.
ثم قال - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ. . .) الآية.
فعلى ما ظهر منه النشوز صرف أمر التفرق إلى الزوجين، وكذلك قوله - تعالى -: (وَلَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ. . .) إلى قوله - تعالى -: (فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ)، فاشركهما في الابتداء الذي به الفراق، أو يريد به الحكمين؛ فيكون ذلك على الترغيب في طلب الإصلاح بينهما، وعلى إيثار العدل والصواب؛ كقوله تعالى:(وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ. . .)، وقوله - تعالى -: (كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ. . .) الآية، فإذا أرادا الإصلاح يوفق اللَّه بينهما، له