وعن علي وعبد اللَّه قالا: قضى رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بالشفعة بالجوار.
وعن شريح قال: كتب إليَّ عمر - رضي اللَّه عنه -: أن اقض للجار بالشفعة.
وإلى هذا ذهب أصحابنا - رحمهم اللَّه - في إيجاب الشفعة للجار.
وأنكر قوم أن تكون الشفعة إلا فيما لم يقسم من الدور والأرضين، واحتجوا في ذلك بما روي عن سعيد بن المسيب وأبي سلمة قالا:" قضى رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بالشفعة في كل ما لم يقسم، فإذا وقعت الحدود وصرفت الطرق، فلا شفعة ".
وكذلك روى أبو هريرة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بمثله.
لكن تأويل الحديث عندنا - واللَّه أعلم -: أن قوله: " قضى بالشفعة فيما لم يقسم " قول الراوي؛ لأنه لم يحك عنه أنه قال: لا شفعة فيما قسم، فيحتمل أن يكون علم ذلك فحكاه، ولم يعلم بما روأه الآخرون بإيجاب الشفعة فيما قد قسم.
وأمَّا قوله:" فإذا وقعت الحدود، فلا شفعة "، فليس فيه بيان حكاية عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -. وقد يجوز أن يكون ذلك من الراوي، أو أن قال ذلك إنما قال في القسمة، لا شفعة في القسمة عندنا.
ثم قد جعل اللَّه - تعالى - للجيران بعضهم على بعض حقوقًا باتصال أملاكهم، حتى قال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - " مَنْ أَرَادَ أَنْ يَبِيعَ دَارَهُ فَلْيَستَأذِنْ جَارَهُ " فإذا أراد البائع اختيار الجار الذي لا حق له على الجار الذي له حق، جعل له إبطال ذلك؛ إذ ليس غرضه من البيع إلا الثمن؛ وهو وقد يوجد ذلك من الجار؛ ولهذا ما توجب الشفعة في الهبات والصدقات مما يجوز أن يقصد بها أسبابا وأحوالا لا يوجد ذلك في الجار، وأما البيع فالمقصود فيه الثمن.
والْجُنُبِ: البعيد، بيّن - واللَّه أعلم - ليعلم أن الحق الذي ذكر للجار من الإحسان إليه ليس هو بحق القرابة، بل هو بحق الجوار، فأمر بالإحسان إلى من له جوار بالملك نحو ما أمر بالإحسان إلى من له جوار بالنسب، ثم كان الحق قد يفترض بجوار النسب بمال مع ما كانت الصلة مفروضة فيمن مس ملكُهُ ملكَهُ في الملك وجوبه فيما وقع التَّمَاسُّ بالبدن