للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كانت تحتمل الخصوص، وفي الحكمة أنه سامع كل صوت، وعليم بكل شيء، فبه يشهد، ولا يقال في ذلك: إنه أراد ذا من الخاص، نحو قوله - تعالى -: (وَإِنْ عَزَمُوا الطَّلَاقَ فَإِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)، قال قوم: لا يقع الطلاق حتى يوقع؛ لأنه ذكر أنه سميع ولو أوقع الطلاق بغير قول، لم يكن لذكر السميع في هذا الموضع فائدة.

وقال قوم: (سَمِيعٌ) لإيلائه؛ إذ هو قسم ينطق به، (عَلِيمٌ) لعزمه، وقد ذكر (سَمِيعٌ عَلِيمٌ)؛ فيجب توجيه كل حرف إلى وجه، ليفيد حقيقة ذلك في هذا الموضع، ولو كان لا يقع دون القول لكان كل أمره مسموعًا؛ ليلتقي القول بأنه سميع عن القول بأنه عليم.

وفي جملة العقد من طريق الحكمة أنه سميع بكل صوت، عليم بكل شيء، لكن في النوازل يتوجه وجهين لا يجب القطع عليه في الإرادة إلا أن يجيء ما يوجب الإحاطة، وقد عمل به الخلق على الاختلاف، واللَّه أعلم.

ووجه آخر من التأويل: أنه يحتمل وجوهًا لا يسع للكل في حق العمل أو في حق الشهادة، لكنها لأحد الحقين، فإن كان ذلك في حق العمل يجب طلب دليله، ويكون الدليل على وجهين:

أحدهما: أن يوجب على حق العمل والشهادة جميعًا.

والآخر: أن يوجب على حق العمل خاصة، وقد بينا ذلك.

وإن كان في حق الشهادة فيجب الوقف في تحقيق المراد، والتسليم لله حتى يظهر، وذلك في حق إضافة الاستواء إلى اللَّه - تعالى - على العرش، والقول بالرؤية من حيث يثبت ما به يرى على الإشارة إليه، لا بالإحاطة، ونحو ذلك من الأمور، واللَّه أعلم.

ووجه آخر: أن يكون احتمال وجوهها إنما يكون بمقدمات، فيختلف على اختلاف تلك المقدمات، فلا يجوز تأويل تلك إلا بمعرفة المقدمة، إذا لم يكن فيها غير معرفة الموقع من المقدمة؛ نحو قوله - تعالى -: (فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ)، لم يكن لأحد تأويل واحد من الوجهين حتى يعلم بالسمع أنه فيم كان مشغولا.

وقوله - تعالى -: (فَلْيَنْظُرْ أَيُّهَا أَزْكَى طَعَامًا)، لم يكن لأحد طلب مراد قائله أو تأويل مراده، ولا يظفر به إلا بالوحي، ولا قوة إلا باللَّه.

<<  <  ج: ص:  >  >>