والشفاعة من أعظم ما احتيج إليها؛ إذ قد جاء القرآن بها، والآثار ممن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - والشفاعة في المعهود من الأمر تكون عند زلات يُستَوجَبُ بها المقت والعقوبة؛ فيعفى عن مرتكبها بشفاعة الأخيار وأهل الرضا بهم، ثم كانت الصغائر منا لا يجوز التعذيب عليها عند القائلين بالخلود بالكبائر، والكبائر مما يعفى عنها بالشفاعة؛ فإذن يبطل عظيم ما جاء من القرآن والآثار في الامتنان، ويسقط ما جبل عليه أهل العلم باللَّه وبرحمته، ويبطل رجاء المسلمين بشفاعة الرسل - عليهم السلام - ولا قوة إلا باللَّه.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: الشفاعة تخرج على وجهين:
الأول: على ذكر محاسن أحد عند آخر؛ ليقرر له عنده المنزلة والرتبة.
والثاني: أن يدعو له؛ فالأول هو الذي يحتمل توجيه الشفاعة إليه، والثاني قد بين بقوله:(الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ. . .) إلى قوله: (العَظِيمُ)، وقوله - تعالى -: (وَلَا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى)، والخوف يدل على وجهين: الشفاعة؛ لأن المرتضى هو ذو منزلة وقدْر، وهو ممن تضمنته آية شفاعة الملائكة؛ فيقال: الوجه الأول في الآخرة لا معنى له؛ لوجهين:
أحدهما: أنه في تقرير الأمر عند من يجهله، واللَّه - جل ثناؤه - هو العليم بحقيقة ذلك، بل غيره مما يجوز عليهم خفاء الحقائق؛ كقوله تعالى:(يَوْمَ يَجْمَعُ اللَّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ مَاذَا أُجِبْتُمْ قَالُوا لَا عِلْمَ لَنَا. . .) الآية، وقال عيسى - عليه السلام -: (مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ. . .) الآية؛ وكان في ذلك أن الحقائق في ذلك عند اللَّه، وهم تبرءوا عن العلم بذلك، وأقروا بأن اللَّه هو المنفرد بعلم ذلك، وباللَّه التوفيق.
والثاني: أن ثمة كتبًا يقرأ فيها أعمال بني آدم وما سبق منهم من صغير وكبير؛ فهي الكافية في التقدير إن كان في حق الاحتجاج، وإن كان في حق الإعلام - فعلم اللَّه بهم مغنٍ عن ذلك، ولا قوة إلا باللَّه.
وأما الدعاء: فكذلك نقول بالدعاء لمن له ذلك الوصف، ويشفع له فيما كان في ذلك منه من المآثم والذنوب، لا أنه إذا كان كل أفعالهم ذلك، فيشفع لهم؛ لأنه لا يجوز في الحكمة تعذيبهم، على ما ذكر من الأفعال، بل لهم عليها أعظم الثواب، وأرفع المأوى.