أحدها: أن ذلك لا يجوز في الحكمة؛ فكأنهم طلبوا منه ألا يجور ولا يسفه، وذلك لأفسق الخلق يخرج مخرج السفيه، فضلا عن أن يتضرع إلى اللَّه به، جل الكريم الحليم عن هذا الوصف.
والثاني: أن يخلق في مثله؛ إذ هو مثاب غير معاقب، يلقى ذلك منه بالشكر والحمد، وفي الدعاء كتمان ذلك وكفرانه، ومحال الإذن في مثله، وباللَّه التوفيق.
والثالث: أن ذلك في الموعود له بالجنة والمبشر بها؛ فطلب مثله يوجب الجهالة بذلك، لا أن يكون الوقت لم يبين، يكون ذلك في الاستعجال، وهو قولنا في أصحاب الكبائر: إنهم لو عُذبوا بقدر الذنوب - لكان ذلك في الحكمة عدلا؛ فيشفع لسائلهم بالفضل والإحسان دون العدل والاستيفاء، ولا قوة إلا باللَّه.
والأصل: أنها مقادير للعقوبات، وإنما يعرف من يعرف مقادير الأجرام، وليس مِنَ الخلائق مَنْ يحتمل تركيبه احتمال العلم بمقاديرها؛ إذ لا أحد يبلغ في معرفة تعظيم اللَّه كُنْه عظمته؛ ليعرفوا قدر الخلاف لأمره - جل وعلا - وما كان هذا سبيله - فحق القول الاتباع أن اللَّه لا يجزي بالسيئة إلا مثلها.
ثم معلوم أن لا سيئة أعظم من الكفر، وجعل مثلها من الجزاء: الخلود في النار، ممن ألزم ذلك لما دونه وصف اللَّه - تعالى - أنه يجزي بالسيئة أكثر من مثلها، واللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - أخبرنا أنه لا يجزي ذلك، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ أيضًا -: (مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً. . .) يكون فيما بين المرء والرب: يشفع إليه بالمغفرة لأحد والتجاوز عن المذنب؛ ليكون له نصيب منها.
ويحتمل: أن يكون اللَّه - تعالى - برحمته يرحمه على أخيه بالشفاعة إليه - بالتجاوز عنه والمغفرة.
ويحتمل: أن يكون اللَّه - تعالى - إذا غفر له يجعل له في شفيعه شفاعة؛ يهبه له كما وهب الأول له، وفي السيئة فيما يلعنه، أو يدعو اللَّه عليه بالهلاك عن غير استحقاق، أو عليه في بقائه ضرر يكون له نصيب منها يلعن لآخر، أو أحدًا يلعنه ويدعو عليه به أن يعاقبه