قيل: لأنه أتلف نفسًا خلقها اللَّه - تعالى - لعبادته؛ فأوجب مكانها نفسًا مؤمنة؛ لتعبد اللَّه على ما عبدت تلك.
لكن التأويل لو كان هذا لكان يجب في العمد ما وجب في الخطأ؛ لأنه وجد ذلك المعنى، لكن أوجب لا لذلك المعنى - واللَّه أعلم - ولكن تغليظًا وتشديدًا عليه لما أتلف نفسًا محظورًا لم يؤذن له في ذلك؛ لئلا يقدم على مثله، ولله أن يوجب على من شاء بما شاء لما شاء، من غير أن يقال: لم؟ وكيف؟ وأين؟
والثاني: أوجب عليه رقبة مؤمنة؛ لأنه أبقى له نفسًا مؤمنة؛ فعلى ما أبقى له نفسًا مؤمنة أوجب عليه مثلها رقبة مؤمنة.
وفي قوله - تعالى أيضًا -: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً) واختلف في تأويل (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ)؛ فمنهم من يقول بإضمار: وما كان بمتروك لمؤمن أن يقتل مؤمنًا إلا خطأ.
ويخرج معنى " بمتروك " على وجهين:
أحدهما: ما قاله " أبو بكر الملقب بالأصم: أي بمتروك له في القصاص إلا أن يقتله خطأ. ولكن هذا يوجب منع العفو لما به الترك، ومعلوم أنه أمر رغب فيه؛ حتى دعا رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ولي القتيل إلى العفو، ثم إلى أخذ الدية، ثم لما أبت نفسه عن ذلك أذن له في القصاص؛ ويدل على ذلك قوله:(فَمَنْ عُفِيَ لَهُ. . .) الآية، وقوله:(وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا. . .)، إلى قوله:(فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ. . .) الآية، إلا أن يرجع في قوله: " بمتروك له " إلى الوجوب، أي: لا يدفع عنه إيجاب القصاص إلا من قتل مؤمنًا خطأ؛ فإنه ليس عليه القصاص.