والثاني: أنه ما كان بمتروك له من التأنيب والتوبيخ والتعيير بسوء صنيعه بأخيه وتعديه حد اللَّه وبمعونة ولي القتيل؛ إذ قال:(مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا)، فحق ذلك على الناس أن يظهروا له النكير عليه، ويقوموا بالنصر لوليه - واللَّه أعلم - إلا أن يكون خطأ؛ فلا يتلقونه بشيء مما ذكرت، بل يقومون بالشفاعة له، والمعونة في احتمال ما لزمه؛ ولذلك جعل - واللَّه أعلم - أمر العقل على ما به من إبقاء الألفة، ودفع الضغينة، واجتماع التالم في المصيبة.
ومنهم من يقول في تأويل الآية:(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ) أي: حرام عليه ذلك الفعل بما حرم اللَّه، وبما بينهما من الأخوة في الدِّين، وبما هو شقيقه وجنسه، يتألم بما يتألم به الآخر، ويتأذى بما يتأذى الآخر، والنفس عن مثله تنتهي، والطبع ينفر، فما كان له بعد هذا أن يقتل.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِلَّا خَطَأً) قيل فيه بوجوه:
أحدها: أن يقع ذلك منه على الخطأ؛ فيكون على ما لا يلحقه اللائمة التي ذكرنا، ولا وصف التعدي الذي وصفنا.
والثاني: أن يكون الأمر في موضع الابتداء؛ لما بين له من الحكم بمعنى: وما كان لمؤمن أن يقتل مؤمنَا ألبتَّة، لكن من قتل مؤمنَا خطأ فتحرير رقبة؛ كقوله:(لَا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْوًا إِلَّا سَلَامًا)، بمعنى: لا يسمعون فيها لغوَا ألبتَّة، لكن الذي يسمعون: يسمعون سلامًا.
وقيل:(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً): إلا ألا يعلمه أنه مؤمن، وكان عرفه كافرًا، له قتله بما روي من الإذن في البيات وقتل عيون الكفرة بما سبق من ظهور كفرهم، وإن احتمل إيمانهم فيما بين الوقتين؛ فيكون بمعنى: حرام عليهم إلا مَنْ هذا وصفُهُ.
ويجوز:(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلَّا خَطَأً) أي: أليس، لمؤمن ذلك قط إلا أن يقتل خطأ؛ فإنه ليس فيمن يقال كان له أو لا؛ لما يقع به إلا أن يفعله هو في التحقيق؛ إذ حقيقة الفعل أن يقع بإرادة ويخرج عليها، وهذا لا يقع بها، ولا يخرج