للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأما السنن والشرائع فيجوز أن تختلف؛ ألا تري أنه رُويَ في الخبر: " ملة رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، وفي بعضها: " سنة رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: جعل السنة تفسير الملة؛ فالملة بالسنة أشبه.

ثم خص ملة إبراهيم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - لأن سننه كانت توافق سنن نبينا مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - واللَّه أعلم. وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (حَنِيفًا) قيل: مخلصًا.

وقيل: سمي حنيفًا، أي: مائلا إلى الحق؛ ولذلك سمي الأحنف: أحنفًا؛ لميل أحد قدميه إلى الأخرى، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا)

ذكر في بعض الأخبار أن اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - أوحى إلى إبراهيم - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: أن لي خليلا في الأرض؛ فقال: يا رب، من هو؟ قال: فأوحى اللَّه - تعالى - إليه: لِمَ؟ أي: لم تسألني عنه؟ قال: حتى أحبه وأتخذه خليلا كما اتخذته خليلا، أو كلام نحو هذا؛ فقال: أنت يا إبراهيم.

وأصل الخلة: المنزلة، والرفعة، والكرامة، يقول: (وَاتَّخَذَ اللَّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلًا)، أي: جعل له عنده منزلة وكرامة لم يجعل مثلها لأحد من الخلائق؛ لما ابتلاه اللَّه ببلايا، وامتحنه بمحن لم يبتل أحدًا بمثلها، فصبر عليها، من ذلك: ما أُلقي في النار، فصبر، ولم يستعن بأحد سواه، وما ابتلي بذبح ولده، فأضجعه، وما أمر أن يترك أهله وولده الطفل في جبال مكة: لا ماء هنالك، ولا زرع، ولا نبات؛ ففعل، ومن ذلك أمر المهاجرة. . . مما يكثر ذلك؛ فجائز تخصيصه بالخلة لذلك، واللَّه أعلم.

وجائز أن يكون ذلك كرامة أكرمه اللَّه بها؛ لأن أهل الأديان كلهم ينتسبون إليه، ويدَّعون أنهم على دينه، وعلى ذلك يخرج قوله: " اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ، وَعَلَى آلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>