للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عليه؛ فيستوجب بالكفران العقوبة والجزاء على ذلك.

والثاني: أنه خرج الفعل منه في الخيرات والحسنات على موافقة خلقته وصورته وتقويمه وتسويته على ما خلقها اللَّه وأنشأها وبناها؛ فلم يخرج الفعل منه على خلاف ما هو بني عليه؛ فلم يستوجب به الجزاء.

وأما السيئات: فهي إخراجها على خلاف خلقتها وتقويمها وصرفها إلى غير الوجه الذي كانت خلقتها وتقويمها؛ فاستوجب بذلك العقوبة والجزاء عليها؛ لقوله: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ).

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا).

ليس هو على التحديد حتى لا يزاد عليه ولا ينقص منه، إنما خرج - واللَّه أعلم - على التعظيم لذلك والإجلال؛ لأنه أخبر في النفقة التي تنفق في سبيل اللَّه أنها تزداد وتنمو إلى سبعمائة، ولا يجوز أن يكون في الحسنة التي جاء بها في التوحيد ما يبلغ إلى ما ذكر، وإذا جاء بنفس ذلك التوحيد لا يبلغ ذلك أو يقصر عن ذلك، ولكنها - واللَّه أعلم - على التعظيم له، أو على التمثيل؛ كقوله: (وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ)، ذكر هذا؛ لما لا شيء عند الخلق أوسع منها، وكقوله: (تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ)، ومثله هو على التمثيل؛ خرج لعظيم ما قالوا في اللَّه، ليس على أنها تنشق أو تنفطر؛ فعلى ذلك الأول أنه يخرج لما ذكرنا، لا على التحديد له والوقف.

ثم قوله: من جاء بالحسنة فله كذا، ومن جاء بالسيئة فله كذا: ذكر مجيء الحسنة ومجيء السيئة، ولم يقل: من عمل بالحسنة فله كذا، ومن عمل بالسيئة؛ ليعلم أن النظر إلى ما ختم به وقبض عليه؛ فكأنه قال: من ختم بالحسنة وقبض عليها فله كذا؛ لأنه قد يعمل بالحسنة، ثم يفسدها وينقضها بارتكاب ما ينقضه ويفسده من الشرك وغيره؛ على ما روي: " الأعمال بالخواتيم ".

<<  <  ج: ص:  >  >>