للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

عملتم.

ثم قالت المعتزلة: في قوله: (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) دلالة على أن اللَّه لا يريد ما أراد العباد إذا أرادوا المعصية؛ لأنه أخبر أنهم أرادوا عرض الدنيا، وهو يريد الآخرة، فهم أرادوا المعصية، وهو يريد لهم الآخرة.

ولكن التأويل عندنا أن قوله: (تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ)، أي: تريدون عرض الدنيا، واللَّه يريد حياة الآخرة وعرضها.

وبعد، فإنه قد كان اللَّه أراد لهم الآخرة وحياتها، وهم أرادوا العير وعرض الدنيا، وقد كان ما أراد اللَّه لهم لا ما أرادوا هم، أي: اختار لهم غير ما اختاروا هم.

وأصله أن اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ - أراد الآخرة لأهل بدر، فكان ما أراد، ولأُولَئِكَ الكفرة النار، فكان ما أراد؛ كقوله: (يُرِيدُ اللَّهُ أَلَّا يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ).

والأشبه أن تكون الإرادة هاهنا - المودة والمحبة، أي: تودون وتحبون عرض الدنيا، واللَّه يريد الآخرة، وهو ما ذكر في آية أخرى؛ حيث قال: (وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ) كانوا يودون أن القتال مع غير ذات الشوكة؛ حتى تكون لهم الغنائم.

والإرادة التي تضاف إلى اللَّه تخرج على وجوه ثلاثة:

أحدها: الرضا؛ كقوله: (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا) كانوا يستدلون بتركه إياهم على أن اللَّه قد رضي بصنيعهم.

والثاني: الإرادة: الأمر؛ كقوله: (وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا وَاللَّهُ أَمَرَنَا).

والثالث: الإرادة هي صفة فعل كل فاعل يخرج فعله على غير سهو وغفلة ولا طبع؛ بل يخرج على الاختيار.

<<  <  ج: ص:  >  >>