وقال بعض أهل التأويل: إن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - استشار في أسارى يوم بدر أصحابه، فقال لأبي بكر:" يا أبا بكر، ما تقول فيهم؟ " فقال: يا رسول اللَّه؛ قومك وأهلك، فاستبقهم واستأمنهم، لعل اللَّه يتوب عليهم، وقال عمر: يا رسول اللَّه؛ كذبوك وأخرجوك، قدمهم فاضرب أعناقهم، وقال عبد اللَّه بن رواحة: يا رسول اللَّه، انظر واديًا كثير الحطب، فأدخلهم فيه وأضرمه عليهم نارًا، فقال له العباس: قطعت رحمك، فسكت رسول اللَّه فلم يجبهم شيئًا، ثم قام فدخل، فقال ناس: يقول بقول أبي بكر، وقال ناس: يقول بقول عمر، وقال ناس: يقول بقول عبد اللَّه، ثم خرج عليهم رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فقال:" إن اللَّه ليلين قلوب رجال فيه حتى تكون ألين من اللين، وإن اللَّه ليشدد قلوب رجال فيه حتى تكون أشد من الحجارة، وإن مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم، قال:(فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)، وإن مثلك يا أبا بكر كمثل عيسى؛ حيث قال:(إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ)، وإن مثلك يا عمر كمثل موسى؛ حيث قال:(رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ)، وقال: يا عمر، إن مثلك كمثل نوح؛ حيث قال:(رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا) ولا يسألن أحد منكم إلا بفداء أو ضربة عنق "، قال عبد اللَّه: إلا سهيل بن بيضاء فإني سمعته يذكر الإسلام، فسكت رسول اللَّه، فما رأيتني في يوم أخوف من أن تقع علي حجارة في ذلك اليوم، حتى قال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " إلا سهيل بن بيضاء "، فأنزل اللَّه:(مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى) إلى آخر ما ذكر.