والثالث: على البشارة؛ أي: إذا قلتم لهم ذلك فلا يقربوا بعد ذلك.
وقوله:(إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) أي: أفعال المشركين نجس، والعبادات التي يأتون فيها نجس، وهو ما ذكر حيث قال:(إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) صير عمل الشيطان رجسًا؛ فعلى ذلك العبادات التي يقيمونها نجسة، فالنهي عن الحج نهي عن إقامة العبادات لغير اللَّه؛ لأن تلك البقعة نزهت عن إقامة العبادة لغير اللَّه.
ثم اختلف في قوله:(إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) قَالَ بَعْضُهُمْ: هو نجس الأفعال.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: هو نجس الأحوال.
والأشبه أن يكون نجس الأفعال؛ لأن قوله:(إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ) يخرج مخرج الذم، ولا يحتمل أن يذموا ويشتموا بنجاسة الأحوال؛ دل أنه إنما لحقهم ذلك الذم بما اكتسبوا من الأفعال الذميمة، وهو كقوله:(إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ)، رجس نجس؛ فعلى ذلك جائز أن يكون قوله:(إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ)، أي: نجسة الأفعال؛ لأن ذلك من كسبهم، فاستوجبوا المذمة لكسبهم، وأما الأحوال فلا صنع لهم فيها.
قيل: خافوا من العيلة لما نُفي المشركون من مكة؛ لأن معايش أهل مكة إنما كانت من الآفاق، وبأهل الآفاق كانت سعتهم وتجارتهم، لكن اللَّه وعدهم السعة والغنى بقوله:(فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ)، قَالَ بَعْضُهُمْ: دل قوله: (إِنْ شَاءَ) على أنه إنما وعدهم الإغناء في بعض الأوقات.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: قوله: (إِنْ شَاءَ) كان من رسول اللَّه؛ لأنه أمر رسوله أن يعدهم الإغناء، وهو مأمور أن يستثني في جميع ما يعده؛ بقوله:(وَلَا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فَاعِلٌ ذَلِكَ غَدًا (٢٣) إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ).
ويحتمل أن يكون قوله:(فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ إِنْ شَاءَ): بهَؤُلَاءِ الذين نفوا