لهم؛ فإذا كان كذلك، أمكن إقامة الحجج على هَؤُلَاءِ، وإلزام البراهين، ولا كذلك مشركو العرب؛ إذ لا دين لهم ينسبون إليه، ولا مذهب يدعون غيرهم إليه بالحجاج، وأمكن في غيرهم؛ لذلك افترقا، واللَّه أعلم بذلك.
والثاني: أنهم تمنوا أن يكون لهم رسول من جنسهم يتبعونه فيما يدعوهم إليه، ونذير يجيبونه، حتى أقسموا على ذلك، وأكدوا القول في ذلك؛ كقوله: (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ) الآية، ولم يكن من غيرهم من الكفرة ما كان منهم؛ فإذا كان كذلك فهم يقاتلون أبدًا حتى يوفوا ما وعدوا؛ كقوله: (تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ).
والثالث: لفضل رسول اللَّه؛ إذ كان منهم ومن جنسهم، فلا يترك أحد في تلك البقعة على غير دينه.
وأمكن أن يكون وجه آخر: وهو أن مشركي العرب في حد القليل أمكن المقاتلة معهم والقيام لهم؛ فلا يرضى منهم إلا الإسلام، وأما غيرهم من الكفرة في بقاع مختلفة: فهم كثير، إذا اجتمعوا لم يكن في وسع أهل الإسلام القيام لهم والقتال معهم، فيلحق المسلمين في ذلك ضرر بين؛ لذلك كان ما ذكر.
وقوله: (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ. . .) الآية.
قد ذكرنا أنهم وإن كانوا يؤمنون باللَّه واليوم الآخر عند أنفسهم أنهم - في الحقيقة - غير مؤمنين؛ لأن شرط إيمانهم الإيمان بالرسل جميعًا والكتب أجمع، فهم قد تركوا الإيمان ببعض الرسل، وببعض الكتب، ومن كفر برسول من الرسل، أو بكتاب من الكتب، أو بحرف منها - كان كافرًا باللَّه.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ).
يحتمل أنهم لا يحرمون تحريف الكتب وكتمان نعت رسول اللَّه، واللَّه حرم ذلك عليهم.
أو لا يحرمون عبادة الأوثان، واللَّه ورسوله يحرم ذلك.
أو لا يحرمون ما حرم اللَّه ورسوله من الخمر والخنزير وغيره، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ).
وهو الإسلام؛ لأنه دين توجبه العقول كلها، وتشهد به خلقة الخلائق كلها.
أو أن يقول: لا يدينون دين الذي له الحق، إنما يدينون بدين الذي لا حق له، وهو دين الشيطان، وهو ما يدعوهم إلى عبادة الأصنام، فيجيبونه، واللَّه أعلم.