يحتمل وجهين: أحدهما: اذكرني عند ربك؛ لعلي حبست بلا علم منه وبغير أمره؛ لأن تلك المرأة هي التي أوعدت له السجن؛ فوقع عنده أنها هي التي احتالت في حبسه؛ فقال لذلك ما قال.
والثاني: يقول: اذكرني بالذي رأيت مني وسمعت؛ لأنه دعاهما في السجن إلى التوحيد؛ حيث قال:(أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ).
قال بعض أهل التأويل: أنسى الشيطان يوسف دعاء ربه الذي أنشأه وخلقه؛ فلم يدع ربه الذي هو في الحقيقة ربّ.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: قوله: (فَأَنْسَاهُ الشَّيْطَانُ) الذي قال له يوسف: اذكرني عند ربك ذكر ربه، وهذا أشبه، والأول بعيد؛ لأنه قال في آخره:(وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ)، أي: بعد حين (أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ) دل هذا أنه إنما أنسى الشيطان على ذلك الرجل فلم يذكره عنده حينًا.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: لم ينسه الشيطان، ولكن تركه عمدًا؛ لم يذكره عنده؛ لعله يتذكر ما تقدم من المقال فيزداد غضبًا عليه، فتركه عمدًا إلى أن جاء وقته - واللَّه أعلم - وأضاف الإنساء إلى الشيطان، وكذلك قال موسى:(وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ)، فهو - واللَّه أعلم - لأن بدء كل شر يكون من الشيطان؛ لأنه يخطر بباله ويقذف في قلبه ويوسوسه، ثم يكون من العبد العزيمة على ذلك والفعل، وفائدة النسيان - واللَّه أعلم - هو أن اللَّه تعالى أراد أن يظهر آية رسالته وحجة نبوته؛ بكونه في السجن ويظهر براءته في شأن تلك المرأة بشهادة أُولَئِكَ النسوان، وذلك علم الأحاديث التي ذكر والرؤيا التي عبرها.