وقال ابن عَبَّاسٍ: الإل: اللَّه، بمنزلة جبريل، تفسيره عبد اللَّه؛ لما قيل: جبر هو عبد اللَّه.
وقيل: الإل: الحرم، يقول: كيف تعطونهم العهد، وهم (وَإِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ لَا يَرْقُبُوا فِيكُمْ إِلًّا وَلَا ذِمَّةً) القرابة ولا العهد، ولا يرقبون الحرم فيكم، وقد كانوا يحفظون فيما بينهم القرابة والرحمة حتى يعاون بعضهم بعضًا، ويناصره، إذا وقع بين قرابتهم ورحمهم وبين قوم آخرين مباغضة وعداوة، وكانوا يرقبون حرم اللَّه حتى لا يقاتلوا في الأشهر الحرم وعند المسجد الحرام، وكانوا يحفظون العهود فيما بينهم من قبل، ولا يرقبونها فيكم ولا يحفظونها ".
ويلفت النظر هنا أن الماتريدي تارة ينص على اسم العالم الذي ينقل عنه، وتارة يعبر بـ " قَالَ بَعْضُهُمْ " أو " قيل ".
ويلفت النظر -أيضًا- أنه قدم تفسيرًا للآية أولاً دون أن يصرح بمعنى الإل، ثم لما أورد قول بعضهم من أن الإل بمعنى الحرم، قدم تفسيرًا للآية أوضح وأبين من الأول، ولا ندري إن كان هذا التفسير كلامه أم هو ناقل له عن غيره.
ونلاحظ أن نقوله السابقة اتجهت إلى معنى اللفظ في مجملها، ولم تتجه إلى المعنى العام للآية، وهو بذلك لا يكون ناقلاً عن علماء التفسير وحسب، بل قد يقع نقله في دائرة النقل عن علماء اللغة والأدب، يدل على ذلك النموذج الآتي.
فعند قول اللَّه تعالى:(وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً) اختار أن يكون معنى (وَلِيجَةً): ملجأ يلجئون إليه، وهذا المعنى مستفاد من تفسيره العام للآية، ثم قال: " وقوله: (وَلِيجَةً) قال بعض أهل الأدب: الوليجة: البطانة من غير المسلمين، وأصلها: الولوج، وهو أن يتخذ الرجل من المسلمين دخيلاً من المشركين وخليطًا ودودًا، وجمعه: الولائج ".
ثم أخذ يعدد معاني الوليجة ناقلًا إياها عن بعض العلماء دون ذكر لأسمائهم.
وقد ينقل أقوال العلماء، ثم يعرض عنها، ويختار ما يستريح إليه، وبعبارة أدق يتبنى رأيًا خاصَّا له، فمثلاً عند تفسير قول اللَّه تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا).