أو أن يكون أنزل عليه الكتاب أتبيانا، لكل ما دعا به الرسل وجاءت به الرسل والكتب جميعًا. في هذا الكتاب جميع ما أتى به الرسل والكتب من الأمر والنهي والوعد والوعيد، كقوله:(وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ).
ثم اختلف في ذلك البيان:
قَالَ بَعْضُهُمْ: تحتمل الآية وجهين:
أحدهما: الخصوص على الأصول دون الفروع؛ كذكر الكمال للدِّين، لكن ذلك وصف الدِّين، وقد يقع له الكمال بالكتاب والسنة، وهذا للكتاب؛ فلم يجز التقصير عن الاشتمال عما لزمت الحاجة في أمر الديانة.
وذكر أن الكتاب تبيان لكل ما وقعت إليه حاجة في أصول الدِّين: من الإيمان، وأنواع العبادات، والأحكام مع الحدود والحقوق، ومكارم الأخلاق: تنتظم صلة الرحم، وعشرة الإخوان، وصحبة الجيران، ونحو ذلك؛ فتشتمل هذه الجملة على أصول الدِّين، وما وراءها يكون موكولًا إلى بيان الرسول؛ ليفي الكتاب بما شرط له تلاوة ودلالة الوجه.
والوجه الثاني: أن يكون تبيانا لكل شيء منتظمًا لما فيه، مجمله ومبهمه ومشكله، ولبيان الرسول مجمله وتفسيره مبهمه، وإيضاحه، ودلالته على مشكله.
وقال: والسنن كلها بيان للكتاب؛ لارتباط بعض ببعض. ثم قد يحتمل الآيات التي فيها ذكر البيان والتفصيل وجوهًا غير الوجهين اللَّذين ذكرتهما:
أحدها: أنه تبيان كل شيء ظهر فيه التنازع بين أهل الأديان، وألزمتهم الضرورة فيه إلى البيان؛ فجعل اللَّه الكتاب تبيانا ألزمهم بالتدبر العلم بأنه من عند اللَّه؛ بخروجه عما عليه وسع القوم عن نوع ما ذكر فيه من الحجج والأدلة، وبما أعجزهم عن الطمع في تأليف مثله ونظمه؛ ليعرفوا أن اللَّه قد أعانهم فيما مستهم الحاجة، وألجأتهم الضرورة إلى من يطلعهم على الحق فيما لو أهملوا عن ذلك لتولد منه العداوة والعناد؛ فأنعم اللَّه عليهم به، وبين فيه جميع ما بين إليه من الحاجة لدوام الأخوة.
والثاني: أن يكون فيه تبيان كل شيء بالطلب من عنده، وبالبحث فيه الظفر بكل ما ينزل بهم من الحاجات إلى الأبد؛ فيكون هو أصل ذلك. لكن باختلاف الأسباب يوصل إلى حقيقة العلم به، وذلك نحو ما جعل الماء حياة لكل شيء ووصف أن في السماء رزق