للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

جميع الخلق؛ فأخبر أنه أنزل من السماء اللباس والرياش لكل شيء، وأخبر أنه خلقنا من تراب، ثم أخبر أنه خلقنا جميعًا من نفس واحدة؛ على رجوع كل ما ذكر باختلاف الأسباب والتوالد إليه، واللَّه أعلم.

وذلك كما قال أهل الكلام في جعل المحسوسات أدلة لكل غائب: جعلها اللَّه أدلة توصل إليه بالتأمل والنظر فيكون المحسوس مبينًا من ذلك، وإلا على اختلاف الدرجات في حد البيان مع ما قد جعله اللَّه كذلك، حتى إن في الفلاسفة من تكلف استخراج كلية أمور العالم العلوي والسفلي. وما على ذلك مدار ما عليه من هذا المحسوس؛ فمثله أمر القرآن، واللَّه الموفق.

والثالث: أن يكون فيه بيان على الرمز والإشارة مرة، وعلى الكشف ثانيًا؛ فما كان منه على الرمز فهو مطلوب في المعاني وطريق الرسول إلى ما في تلك المعاني من الأمور المختلفة:

منها ما يقع بمعونة الوحي من غير الكتاب على اختلاف وجوه الوحي من إرسال على لسان ملك، أو رؤيا، أو إلهام.

والتأمل في ذلك، أو الاستدلال بما قد أوضحه بعد توفيق اللَّه للحق في ذلك وعصمته عن الزيغ.

أو على ما شاء من ترتيب الحكماء في حق التفاهم لغوامض الأمور، أو غير ذلك مما يريد اللَّه أن يطلع عليه نبيه؛ فإن لطف رب العالمين بما عامل به الأخيار يجل عن احتمال العبارة عنه أو تصويره في الأوهام، نحو كتابة الحفظة، وقبض ملك الموت أرواح الخلق في وقت واحد في أطراف الأرض، ونحو ذلك، وذلك كله حد اللطف الذي يعجز البشر عن الإحاطة؛ فعلى ذلك أمر تبيان كل شيء مع ما يحتمل الرجوع بتأويل الآية إلى أغلب الأمور وأعمها، كقوله - تعالى -: (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ)، وغيره، ولا قوة إلا باللَّه.

والأصل عندنا: أن ليس للبيان عدد يجب حفظ العدد، على ما ذكره قوم: أنه على خمسة أوجه؛ إنما هو أمران:

أحدهما: ما يبين هو.

والثاني: ما يبين غيره، لكن الوجه الذي به يقع ما غاب عن الحواس بالبيان أصله

<<  <  ج: ص:  >  >>