وقوله: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ).
قد ذكرنا فيما تقدم: أَن الآيات، هي الحجج التي أعطى الرسل، وأَجراها على أيديهم.
وقال الحسن: هي دين اللَّه.
وقوله: (وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ).
يحتمل: أن يكون هذا في غيرهم؛ لأَنه لم يكن في زمن موسى نبي سوى هارون، وهم لم يقتلوه.
إلا أَن يقال: إن ذلك كان من أولادهم بعد موسى.
أو كان ذلك من غيرهم سوى هَؤُلَاءِ وأَولادهم.
على أَن قتل الأَنبياء في بني إسرائيل كان ظاهرًا، حتى قيل: قتل في يوم كذا كذا نبيًّا.
ولم يذكر قتل رسول من الرسل، وذلك - واللَّه أعلم - لقوله: (إِنَّا لَنَنصُرُ رُسُلنَا) ولقوله: (إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنْصُورُونَ)، أَخبر أَنه ينصرهم، وأَنهم منصورون ومن كان اللَّه ناصره فهو المنصور أَبدا.
ولأَن الرسل هم الذين أُوتوا الآيات المعجزة؛ فلم يكن لهم استقبال الرسل بذلك للآيات التي كانت معهم.
وأما الأَنبياء، فلم يكن معهم تلك الآيات المعجزة، وإنما كانوا يدعون الخلق إلى دين اللَّه بالآيات التي كانت للرسل، والحجج التي كانت معهم؛ لذلك كان ما ذكر، والله أعلم.
قال قوم: لم يقتل أَحد من الرسل، وإنما قتل الأَنبياء، أَو رسل الرسل.
فإن كان كذلك فعلى ذلك يخرج ما ذكرنا من الآيات.
وإن لم يكن فالنصر كان بالحجج والآيات؛ فكانت تلك للكل.
وعلى ذلك: لا دلالة في كون الآيات مع الأَنبياء، وغير كونها، فإن لم يكن لهم ابتداء شرع، ولا نسخ، بل على الدعاء إلى ما سبق من الشرائع وكانت آياتهم كآيات الرسل، أَو دلالات العصمة، مع ما كان بهم حفظ الكتب السماوية بلا تبديل.
واللَّه أَعلم بالحق في ذلك، ونعتصم باللَّه عن بسط اللسان في ذلك، بالتدبير، دون شيء ظهر على أَلسن الرسل، أَو القول فيهم بشيء إن كانت آية لكل، أَوْ لا. لكن الله تعالى قد أَقام حجته لكلٍّ على قدر الكفاية والتمام.