تأْويل هذا أَنه قال: إنه يقول كذا، فلو كان الأَول على: غير ذلك لكان قد بدا له فيما عم وفسر بما لم يكن أَرادَ. وذلك معنى البداءِ، بل معنى الرجوع عن الأَول مما أَراد، والتفسير له بغَيره، ولا قوة إلا باللَّه.
ثم في الآية دليل خصوص الخطاب من وجهين:
أَحدهما: أَخذُ كل آيةٍ خرجت في الظاهر على العموم حتى الخصوص.
والثاني: جواز تأْخير البيان على تقدم الأَمر به؛ لما ذكرنا: أنها لو حملت على العموم -وهو مرادها- ثم ظهر الخصوص، فهو بدو وحدوث في الأَحكام والشرائع، فذلك حال من جهل العواقب والنهايات، تعالى اللَّه عن ذلك.
ومعنى سُؤالهم؛ بدعاءِ الرب لهم: البيان بما أريد جعل ذلك آية؛ فوقع عندهم: أَنْ لا كل بقرة تصلح للآيات، ولذلك لم يسأَلوا موسى عن تفسيرها؛ إذ اللَّه - تعالى - هو الذي يعلم الآيات.
والحرف الثاني هو الأَول الذي قلنا: إليه انصرف المراد في الابتداءِ؛ لما يوجبه، وأَن الأَمر بالذبح في الابتداءِ كان على ما آل أَمرها إليه وظهر.
لكنهم أمروا بالسؤال عنها، والبحث عن أَحوالها؛ ليصلوا إلى المراد فيه، لا أَنه أَحدث لهم ذلك بالسؤال.
وعلى ذلك: ما روي في الخبر: " أَن صلة الرحم تزيد في العمر ".
أَي: لما علم من عبده أَنه يصل رحمه، جعل مدة عمره أَكثر مما لو علم أَنه لا يصل، لا أَنه يجعل أَجله إلى وقت، فإذا وصل رحمه زادَ على ذلك.
لا على ما يقوله المعتزلة: أَن اللَّه - تعالى - يجعل لكل أَحد أَجلين، فإذا وَصل رحمه أَماته في أَبْعد الأَجلين، وإذا لم يصل جعلَ أَجله الأولَ.
فهذا أَمر من يجهل العواقب، فأَما من كان عالمًا بالعواقب فلا؛ لأَنه بدوٌّ ورجوعٌ عما تقدم من الأَمر.
ثم من استدل بهذه الآية: بقبول قول أَولياءِ المقتول وَهِمَ؛ لأَوجهٍ:
أَحدها: ما لا يقبل قول القتيل قبل خروج الروح منه: إنَّ فلانًا قتلني، في قطع حَق الميراث، وإغرام الدية.