للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يثبت عن غيرهم خلاف ذلك؛ فيكون إجماعا؛ فلذلك أخذ أصحابنا - رحمهم اللَّه - بقولهم، واللَّه أعلم.

والثالث: أن أحد الزوجين إذا خرج إلى دار الإسلام مهاجرًا، وبقي الآخر في دار الحرب - تقع الفرقة بينهما عندنا.

وعند الشافعي: لا تقع الفرقة بتباين الدارين؛ قال: لأن المسلم إذا دخل بأمان لم يبطل نكاح امرأته، وكذلك لو دخل حربي إلينا بأمان لم يقع الفرقة بينه وبين زوجته؛ وكذلك لو أسلم الزوجان في دار الحرب ودخل أحدهما إلى دار الإسلام لم يقع الفرقة؛ فعلم أنه لا يعتبر باختلاف الدارين في إيجاب الفرقة.

ولكن عندنا ليس معنى اختلاف الدارين ما ذكر؛ إنما معناه أن يكون أحدهما من أهل دار الإسلام: إما بالإسلام أو بالذمة، والآخر من أهل دار الحرب أي: يكون حربيًّا كافرًا.

فأما إذا كانا مسلمين فهما من أهل دار واحدة وإن كان أحدهما مقيمًا في دار الحرب والآخر في دار الإسلام، وفي هذه الآية دلالة على ما قلنا من وجوه:

أحدها: أنه قال: (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ)، ولو كانت الزوجية باقية بعد التباين، لكان الزوج أولى بها، وبأن تكون معه، فلا معنى للنهي عن الرجوع إلى الزوج الكافر.

وكذا قال - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلَا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ): أثبت الحرمة بين المهاجرات وأزواجهن، ولا يتصور بقاء النكاح في غير محل الحل.

أو كأن معناه تحريم الاستمتاع، ولكن النكاح لما لم يكن المقصود إلا الاستمتاع وما هذا من آثاره؛ فكان في تحريم الاستمتاع تحريم النكاح.

وكذا قوله - تعالى -: (وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا) دليل عليه أيضًا؛ فإنه أمر برد مهرهن إلى الزوج، ولو كانت الزوجية باقية لما استحق الزوج استرداد المهر؛ لأنه لا يجوز أن يستحق البضع وبدله.

وكذا قوله - تعالى -: (وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ)، ولو كان نكاح الأول باقيًا، لما جاز للمسلم في دار الإسلام أن يتزوجها.

وكذا قال اللَّه - تعالى -: (وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ): نهانا عن الإمساك والامتناع من تزويجها لأجل عصمة الزوج الكافر وحرمته؛ دل أن الحرمة تقع بالتباين.

ودليل آخر من جهة المعقول على ما ذكرنا، وهو أنهم أجمعوا أنها إذا سبيت وقعت الفرقة حتى يحل للسابي وطء المسبية بعد الاستبراء، فإما أن تقع الفرقة بإسلامها. وقد اتفق الجمهور من الفقهاء على أنه لا تقع الفرقة بنفس الإسلام إذا كان بعد الدخول -ما لم

<<  <  ج: ص:  >  >>