الأصم: أنه تزوجها وهو حلال؛ لأن في حديث ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - إخبارا عن حالة حادثة.
وأخبر الآخر عن ظاهر الأمر الأول، ولحديث بريرة أنه كان زوجها حرًّا حتى أعتقت، ورواية من روي أنه كان عبدًا يكون الأول أولى؛ لإخباره عن حال حادثة والثاني إخبار عن ظاهر الحال؛ فكان الأول أولى؛ فكذلك هذا.
والرابع: أن المهاجرة لا عدة عليها عند أبي حنيفة - رحمه اللَّه - وعلى قولهما: عليها العدة. وهذه الآية دليل لأبي حنيفة - رحمه اللَّه - من وجوه:
فإنه - عَزَّ وَجَلَّ -: قال: (فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ): نهى عن الرد إلى الزوج الأول، ولو كانت عليها العدة، لكان للزوج أن يردها إلى مسكنه لتعتد؛ ألا ترى إلى قوله - تعالى -: (أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ): كيف أمر الأزواج بإسكانهن في بيوتهم ما دمن في عدتهن، فلما قال - هاهنا -: (فَلَا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ) دل على أن لا عدة عليها.
وكذا قال:(وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ) فأباح نكاحها مطلقًا من غير ذكر العدة.
وكذا قال:(وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ)، ولو كانت العدة عليها واجبة لكانت باقية بقوله:(فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا)؛ ألا تراه كيف جعل العدة في حقه، وإذا كان للزوج عليها حق كانت هي في عصمته، وقوله:(وَلَا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ) يوجب قطع العصمة، فلما كان في إيجاب العدة إبقاء العصمة بينهما، ونهى الله - تعالى - عن ذلك؛ فقطعناها وأسقطنا العدة عنها، واللَّه أعلم.
ولأنهم أجمعوا أنها إذا سبيت وقعت الفرقة وسقطت العدة، والملك ليس بسبب لإسقاط العدة؛ ولكنه سبب لنقض العدة، فلما سقطت العدة عند السبي والمهاجرة، والسبي لا يوجب الإسقاط دل على سقوط العدة لاختلاف الدارين، واللَّه أعلم.
والخامس: فيه دليل على أن الكتاب يجوز أن ينسخ حكمه بترك الناس العمل؛ فإن في قوله:(وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا)، وقوله:(وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلُوا مَا أَنْفَقُوا) الحكم متروك من غير أن يكون في تركه كتاب أو سنة، ولكن الناس إنما أجمعوا على تركه، وهذا وأمثاله في