للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وأوجب ثَمَّ المتعة. ثم يجيء في القياس أن يوجب في غير المفروض نصف مهر المثل إلا المتعة؛ لأنه إذا دخل بها أوجب كل مهر المثل كما أوجب كل المفروض عند الدخول بها، ونصف المفروض عند عدم الدخول بها، لكن أوجب المتعة لوجهين:

أحدهما: أن مهر المثل إنما يقدر بها إذا دخل بها، فإذا لم يدخل بها لم يعرف الزوج ما قدر مهر مثلها؟، فإذا لم يعرف ما قدر مهر مثلها لم يعرف النصف من ذلك.

والثاني: أنهم أوجبوا المتعة تخفيفًا وتيسيرًا؛ لأن الحاكم يلحقه فضل كلفة وعناء في تعرف حالها وحال نسائها، إذ مهر المثل إنما يعتبر بنسائها، وليس ذلك في المتعة. والله أعلم.

ثم قدر المتعة: يعتبر شأنه اعتبارًا بقدرها؛ لأنه لو اعتبر شأنه قدر ما أوجب لها غناءها وغناء أهلها، ومهر المثل لا يبلغ ذلك، فكان في ذلك تفضيل المتعة على مهر المثل -وقد ذكرنا أن المتعة أوجب تخفيفًا- ولو نظر إلى قدرها دون قدره لكلف الزوج ما لا طاقة له به ولا وسع؛ لذلك وجب النظر إلى قدره اعتبارا بقدرها. واللَّه أعلم.

وقوله: (أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً)، أو نسق على قوله: (مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ)، فهو على: " ما لم تفرضوا لهن فريضة "، وعلى ذلك قوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَمَا لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَهَا فَمَتِّعُوهُنَّ وَسَرِّحُوهُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا). وعلى هذا إجماع القول في جواز النكاح بغير تسمية.

وفي ذلك دليل أن قوله تعالى: (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ)، هو ما يبتغى من النكاح بالمال، لا بتسمية المال، فيكون النكاح موجبًا له، به يوصل إلى حق الاستمتاع، لا بالتسمية؛ ولهذا كان لها حق حبس نفسها عنه حتى يسلم إليها ما منع عن الملك إلا مهر به مسمى أو غير مسمى، كقوله تعالى: (وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) وقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ. . .) الآية.

وإذا جاز النكاح بلا تسمية لم يفسده فساد التسمية، بل الذي أفسد في أعلى أحواله كأنه لم يكن، وعلى ذلك اتفاق فيما يتزوج المرأة على ما لا يحل من خمر أو ميتة أو نحو ذلك أن يجوز؛ فيكون في ذلك أمران:

أحدهما: أن ما لا يتعلق جوازه بالشرط، ففساد الشرط لا يفسد.

<<  <  ج: ص:  >  >>