للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والثاني: أن تبين موضع النهي عن الشغار أنه غير مفسد العقد؛ لأنه في جعل ذلك بدلًا للبضع، واللَّه تعالى لم يجعل التسمية شرطًا لجوازه ليفسد لفسادها. واللَّه أعلم.

ثم جعل الطلاق قبل المماسة سببا لإسقاط بعض ما أوجب العقد، فهو - واللَّه أعلم - لما لم يوصل إليه كمال ما له قصد النكاح، إذ هو مجعول للتعفف، وحقيقته في إمكان الاستمتاع، لا بالعقد، ولولا ذلك لما جعل النكاح، ولم يبطل كل المهر لما تقلب في الملك الذي له البدل، إذ هو في الحقيقة للملك، لا للاستمتاع. دليل ذلك: ما لا يزداد لكثرة الاستمتاع؛ فثبت أنه بدل الملك في التقلب فيه، إذ ليس هو سببًا لفسخ السبب الموجب للملك، الذي له وجب البدل، بل هو تقلب فيه، لم يرفع عنه البدل كله. والله أعلم. فأوجب عَزَّ وَجَلَّ نصف المهر، وأسقط نصفه بما قد فقد أحد القصدين ووجد الآخر. واللَّه أعلم.

ثم إذا لم تكن التسمية جعل اللَّه تبارك وتعالى المتعة مقام نصف المسمى عند التسمية، وإن كان لو تركا، والتدبير بعد بيان الواجب فيما لم يسم مهر المثل نحو وجوب المسمى فيما سمى، لكان الذي يغلب على الوهم أنا لا ندرك تدبيرنا غير نصف مهر المثل، فتولى اللَّه سبحانه وتعالى بيان ذلك ليعلم الناس - واللَّه أعلم - أن اللَّه تعالى بين كل ما بالخلق إليه حاجة على قدر ما يحتمله وسعهم ويبلغه عقولهم، وأن الذي لا يحيط به تدبرهم، بين لهم بالإشارة إليه تفضلًا منه على عباده ليؤلف به بينهم، ويمنعهم عن التنازع. واللَّه أعلم.

ثم لم يبين لنا ماهية المتعة بالإشارة إليها. ومعلوم أن قدر الذي يتبين فيما علم قصور التدبير عن الإحاطة بدرك ذلك النوع من الحكمة فيما لم يبين، فهو - واللَّه أعلم - بما علم أن العقول تبلغه، وأنه بالتدبير فيما يتبين وجه الوصول إليه. ولا قوة إلا باللَّه.

ثم قد بين أن الحق أوكد عند التسمية، منه فيما لم يكن التسمية، بوجهين:

أحدهما: بقوله تعالى: (عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ)، فيما كان الطلاق قبل المماسة، وعند التسمية أوجب نصف المسمى، احتمله ووسعه أو لا. ومعلوم أن الاحتمال على قدر الموسع أخف مما كان يجب احتماله عند الخروج من الوسع. واللَّه أعلم.

والثاني: بما علم من وقوع الاختلاف يكون بين الأمة فيما لا تسمية إذا مات أحد الزوجين في حق إكمال المهر وارتفاع ذلك بما كان ثم تسمية، فهو الدليل على أن الحق في أحد الزوجين أوكد منه في الآخر، على أن العقود والفسوخ كلها تثبت لها عند

<<  <  ج: ص:  >  >>