وقَالَ بَعْضُهُمْ: نزلت في المجوس، وأهل الكتاب من اليهود والنصارى، أنه يقبل منهم الجزية، ولا يكرهون على الإسلام. ليس كمشركي العرب ألا يقبل منهم إلا الإسلام أو السيف، ولا يقبل منهم الجزية، فإن أسلموا وإلا قتلوا. وعلى ذلك رُويَ عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، أنه كتب إلى المنذر بن فلان:" أما الحرب فلا تقبل منهم إلا الإسلام أو السيف، وأما أهل الكتاب والمجوس فاقبل منهم الجزية ". وعلى ذلك نطق به الكتاب (تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ).
وقال قوم:(لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ) أي: لا دين يقبل بإكراه، بل ليس ذلك بإيمان.
والثاني: أن (الرُّشُدُ) هو قد تبين من الغي، وبين ذلك لكل أحد حتى إذا قبل الدِّين قبل عن بيان وظهور، لا عن إكراه.
وقال آخرون: قوله: (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)، أي: لا إكراه على هذه الطاعات بعد الإسلام؛ لأن اللَّه تعالى حبب هذه الطاعات في قلوب المؤمنين فلا يُكرهون على ذلك.
ومعناه: أن في الأمم المتقدمة الشدائد والمشقة، ورفع اللَّه عَزَّ وَجَلَّ تلك الشدائد عن هذه الأمة وخففها عليهم، دليله قوله تعالى:(رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ)، وقوله:(وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ)، ومثل ذلك كثير، كانت على الأمم السالفة ثقيلة وعلى هذه الأمة مخففة، فإذا كانت مخففة عليهم لا يكرهون على ذلك.
وقال آخرون: هو منسوخ بقوله عليه السلام: " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا اللَّه، فإذا قالوها عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على اللَّه ".