للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يحتمل تَوَفِّي الموت بما يقبض روحه كفعله بجميع البشر؛ تكذيبًا لمن ظن أنه اللَّه، أو ابنه، لا يحتمل أن يموت، وقد ألزمهم هذا أيضًا بوجهين ظاهرين -وإن كان فيما عليه خلقته وجوهره. ثم تقلبه من حال إلى حال في نفسه، ومكان إلى مكان في حق القرار والحاجة- كفاية لمن يعقل الحقائق، وبُلْغَة لمن تأمَّل الأشياء عبرا.

أحدهما: بقوله: (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ)، وقوله: (عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ) حتى ينطق به لسان كل منهم، ومعلوم إحالة ابن بشر إلهًا أو ولدًا لإله؛ إذ هو يكون أصغر منهما وذلك آية حدثه، وكذلك قوله في المهد: (إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ): إلى آخر ما ذكر، مع ما لو احتمل ذلك لكان آدم - عليه السلام - الذي هو الأصل، هو المقدم، وهو الذي لا يعرف له وَالِدَانِ أحق أو هو؟ إذ هو بجوهره فهو ولده لا غير، أو ذلك وصف الأولاد، واللَّه أعلم.

والثاني: (كَانَا يَأْكُلَانِ الطَّعَامَ): فأخبر عن حاجته وغلبة الجوع عليه، وفقر نفسه إلى ما يقيمها من الأغذية. ثم في ذلك حاجة إلى الخلاء، واختيار الأمكنة القذرة لقضاء حاجته، وباللَّه التوفيق.

والثالث: على قبضه بنفسه من بين أظهر أعدائه، ورفعه إلى ما به شرفه، وتطهيره مما كان يحسُّ منهم من الكفر وأنواع الفساد، وختمه من بين البشر على وجه آية يكون له عليهم من أول أحوال ظهوره إلى آخر أحوال مقامه فيهم؛ ليكون أوضح لمتبعيه في الآيات، وعلى مخالفيه في قطع العذر. ولا قوة إلا باللَّه.

وفي الدعاء إلى المباهلة دلالة ظهور التعنت والعناد، وفي تخلفهم عن ذلك دليل

<<  <  ج: ص:  >  >>