للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

علمهم بتعنتهم وخوفهم مما قد وُعِدوا بالنزول عليهم، ثم لزموا مع ذلك ما كانوا عليه من السفه والعناد؛ ليعلم أن الحيل عمن اعتاد المعاندة منقطعة، ومعلوم أن الدعاء إلى المباهلة لا يكون في أول أحوال الدعوة؛ وإنَّمَا يكون بعد توفير الحجة وقطع الشبهة؛ ففي ذلك بيان أنه كانت ثَمَّ محاجاتٌ، حتى بلغ الأمر هذا، وعلى ذلك أمر القتال أنه لم يوضع في أول أحوال الإرسال، وفي الحال التي للقول وللحق وجه القبول من طريق النصف والعقل؛ وإنما كان عند ظهور معاندتهم، وكثرة سفههم، حتى همّوا بالقتل، وأكثروا الأذى، وأكرهوا أقوامًا على الكفر، وأخرجوا رسول ربِّ العزة من بين أظهرهم بما راموا قتله، وطردوا أصحابه من بلادهم حتى تحصنوا بالغيران، فأذن الله تعالى عند ذلك بالقتال، وفتح الفتوح؛ ليكون آيته في كل وجوه الآيات ظاهرة وحجته بينة، وفي ذلك جواز محاجة الكفرة في التوحيد والرسالة، لكن على ما قال اللَّه - تعالى -: (وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ)، و (فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا)، نهي عن التعمق والخوض فيما تقصر عنه الأفهام، وإن كان معلومًا أن لله حججًا ظاهرة وغامضة، ولا قوة إلا باللَّه.

وفي ذلك تعليم الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر: أنه يكون ذلك باللطف والرفق يرى المقصود به؛ ليقرر به عنده الحجة، ويزيل عنه الشبهة من الوجه الذي يحتمله عقله، ويبلغه فهمه، فإن رآه يتعامى في ذلك يوعده ويخوفه بالذي في ذاك من الوعيد.

فإن رأيته يكابر عرفت شؤم طبعه وسوء عنصره، يوعده بما جاء به التعليم من الضرب

<<  <  ج: ص:  >  >>