قال لهم: إنما أردت تعجباً ومنعاً فلا يصدقوه وليرفعوا أمره. ولو زاد من القول ما يوضح قوله فقال: الأمان الأمان تطلب؟ أو: لا تعجل حتى ترى ما تلقى , ونحو ذلك مما يكشف الأمر فل ولهم قتله. وقد يأتي أمر ظاهر إنما يراد به التهديد كالقائل: أفعل كذا إن كنت رجلاً , أو: افعل ما شئت إن كنت صادقاً , فأجابه مسلم من الجيش بمثل ذلك , أو ابتدأ المسلم هذا القول , فنزل العلج فقال القائل: إنما أردت التهديد فلا يقبل منه فإما أمنه الإمام وإما رده إلى مأمنه. وكذلك لو قال له ذلك الإمام فهو كالخديعة. فإما أمنه أو رده إلى مأمنه. ولو أبان ذلك فقال: الأمان الأمان انزل إن صدقت ونحو هذا فإنه لا يقتل. وإما أمن أو رد إلى مأمنه. وكذلك لو قاله له الإمام. ولو قرن مع ذلك كلامه بكشف أسمعه المشرك بلساننا أو بلسان الروم وعلم أن المشرك فهمه , فهو فيء إلا أن يشاء الإمام قتله , مثل أن يقول له: الأمان ما أبعده! أو: انزل إن كنت صادقاً ونحوه , كمن قال لرجل: لي عليك ألف درهم , فأجابه: لك علي ألف درهم , فأجابه: لك علي ألف درهم؟ ما أبعدك من هذا! فليس بإقرار.
وإذا أتى المسلمون حصناً للروم فأظهروا أنهم رسل الخليفة وجاؤوا بكتاب منه وذلك كله كذب فأدخلوهم , فلا يجوز لهم قتل أحد وليفوا بما أظهروا مما دخلوا عليه , والإشارة عند مالك بالأمان أمان , ولينه الإمام عن قتل من أشاروا إليه بالأمان. وكذلك لو صدقوهم من غير كتاب اتهروه معهم , أو قالوا نحن تجار فأدخلوهم فلا يجوز لهم قتل أحد ولا أخذ شيء. وكذلك لو تحلوا بحلية أهل الروم ولباسهم أو كانوا منهم ثم أسلموا وقالوا: كنا بأرض الإسلام بأمان , وانتسبوا إلى قوم من الروم معروفين ذكروهم , فدخلوا على هذا , فلا يجوز أن يؤذوا أحداً. وكذلك لو قالوا لهم نحن أهل ذمة أردنا نقض العهد فأدخلوهم.