قال ابن حبيب: اختلف في قول الله سبحانه: (الآن خفف الله عنكم وعلم أن فيكم ضعيفاً) , الآية. فقيل: وهم الأكثر , يعني: ضعفاً في العدد لا في القوة ولا الجلد , فلا يحل أن يفر الرجل من رجلين ولا المائة من مائتين من العدو وإن كانوا أشد منهم سلاحاً وأظهر جلداً وقوة إلا أن يكونوا بأرض العدو وموضع مادتهم ولا مادة للمسلمين , فيخافون من استجاشة العدو عليهم فلهم حينئذ في الانحياز عنهم والتولية منهم سعة. وقيل: إنما ذلك في القوة والجلد , فلو أن مائة مسلم لقوا ثلاثمائة أو خمسمائة ليسوا مثلهم في القوة والجلد , لم يجز لهم التولية عنهم , فإنما الضعف في القوة والجلد لا في العدد. وهذا قول ابن الماجشون وروايته عن مالك وبه أقول. ولم يأخذ مالك بقول عمر: أنا فئة لمن انحاز إلي وهو بالمدينة , وإنما ذلك إلى رأس الجيش وولاته دون والي الطائفة.
وإذا دخل والي الجيش المستعظم فانحياز السرية أو الخيل إلى الجيش دون من هو أبعد منه , وانحياز الطوائف والجيوش إلى من هو أقرب إليها من المسلمين ومن إذا دنا منه خيف منه وانتهي عنه. وقال الحسن: لم يكن الفرار من الزحف كبيرة إلا يوم بدر , لأن تلك العصابة لو أصيبت ذهب الإسلام. فلما نصره الله صار الجهاد تطوعاً , فلو جاء المسلمين عدو لا يطيقونه تحيزوا إلى البصرة. فإن جاء ما يغلبهم تحيزوا إلى الكوفة. فإن جاء ما يغلب فإلى الشام. فإن جاء ما يغلب فإلى المدينة , ثم إن جاء أمر غالب , فلا تحيز لهم وصار قتالهم فريضة.