ولو أن مسلماً جاء بمشرك إلى الأمير , وهو يحاصر الحصن فقال قد كنت أمنت هذا فلا يصدق حتى يشهد شاهدان سواه بذلك , ثم قال سحنون بعد ذلك: أو يشهد شاهد معه أنه إنما جاء به على أمان متقدم.
واستحب بعض العراقيين ألا يقبله والإمام بخلاف ذلك , والإمام لا يسأل البينة على فعله , وغيره يكلف عدلان بما فعل. وكان سحنون ربما قال هذا وربما قال غيره.
[باب في مسائل الأمان بمعان مختلفة]
من كتاب ابن سحنون عن أبيه: وإذا قال المسلمون لأهل حصن للعدو: أخرجوا إلينا أربعة نفاوضهم على الأمان فخرج إليهم عشرون. فإن خرجوا بإرسال من الطاغية فالأمان لأربعة يختارهم الإمام فيردهم , والباقون فيء ولا يقتلون. فإن خرجوا بغير إرسال منه ولا اختيار من أهل الحصن فهم كلهم فيء: إن شاء الإمام قتلهم أو أبقاهم , وليس كل من خرج تجوز مقاضاته. ولو جاز أن يخرجوا بغير إذن الطاغية فتجوز مقاضاتهم لجاز لو خرج عبد أو مجنون قاضيناه.
وأما لو قال: من فتح الباب فهو آمن ففتحه عشرون معاً فهم آمنون لأن هذا أمان مقصور على من بادر الباب , والأول يوجب أمان الجميع فلا يكون إلا عن رأي الطاغية. ولو قال لهم الإمام: عشرة منكم آمنون على أن يفتح لنا الباب , ففتح ودخل المسلمون , فيختار الإمام منهم عشرة يؤمنهم ليسوا من أراذلهم وعبيدهم وصبيانهم , وأحب إلي أن يكونوا من خيارهم , ولا شيء لهم في أموالهم وعبيدهم ونسائهم وذراريهم. ولو كانوا هم القائلين نفتح الباب على أن شرة منا آمنون كان اختيار العشرة لهم ويختارون برؤوسهم دون من لهم من عبيد ونساء وذرية ومال , ولا يترك لهم إلا ما عليهم , ولهم أن يجعلوهم عبيداً أو أحراراً نساءً أو رجالاً , فإن اختلفوا فيمن يختارونه أقرع بين جميعهم في ذلك.
واو قال الإمام: يخرج إلينا هؤلاء الأربعة وهم آمنون نراوضهم على الصلح , أو قال نراوضهم ولم يذكر أماناً ولا مراوضةً , فهو أمان عندنا للأربعة.