وإن بعث الإمام بكتابه مسلمين عدلين مع العشرة فشهدا أن الطاغية قرأ الكتاب ورضي جازت شهادتهما ونفذ الأمر على ذلك , فإن لم يعرفا لغة العلج وقالا قرىء عليه مترجماً فرضي لم يجز حتى يعرفا لسان المترجم. ولو قالا لم نجتمع مع الطاغية وقد جاءا من عنده بكتاب مختوم لم يقفا على أنه كتبه وأرسله , فلما فتح الحصن أنكر هو ومملكته الكتاب وقالوا مفتعل فهم على أمانهم ولا يلزمهم ذلك صدقهم العشرة أو كذبوهم.
وكذلك لو كاتب الإمام ملكهم الأعظم على مثل قسطنطينية أو عمورية ولم يدخل إلى نفسه أحداً من المسلمين , وكتب بالصلح إلى ملكهم كتاباً وأمره أن يكتب إليه بما يرضى به , وكتب الطاغية الجواب وطبعه ولم يشهد على نفسه أحداً من المسلمين لا الرسل ولا غيرهم بأنه كتابه ولا حضروا طبعه , فأتى الكتاب فقرأه الإمام وفيه الرضى بالصلح , فلما دخل المسلمون المدينة أنكر الطاغية الكتاب وما فيه وقالوا إنما رضينا بترك السبي , فلا يجب أن يستباحوا بهذا وهم على أمانهم. ولو حضر الرسولان كتاب الطاغية وطبعه إياه لجاز قولهما عليه.
قال سحنون: وربما تبين لي أن تقبل شهادة رسول واحد في هذا فيما أتى به عن الطاغية. قال أبو محمد: ويدل على قول سحنون هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يبعث الواحد بكتابه وأوامره فيقبل ما يأتي به. وقال: اغد يا أنيس على امره هذا فإن اعترفت فارجمها , فكأنه شيء ولاه إياه من نقل خبر إليه أو عنه وإنفاذ أمر ونحوه. قال سحنون: ولو بعث الأمير عشرة مسلمين بكتاب النبذ إلى ملكهم فقرىء عليه وترجم له الترجمان وترجم عنه ولا يدرون هل بلغ عنه الترجمان الحقيقة فجاؤوا بالجواب على هذا , قال: فهم على أمنهم حتى ينبذ إليهم ويعرف الرسل أن ذلك بلغ إليهم بالحقيقة.