قال يزيد بن أبي حبيب: أوجب الله سبحانه لمن فر يوم بدر النار. ثم كانت أحد , فقال جل وعز:(إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان , إلى قوله: ولقد عفا الله عنهم). ثم كانت حنين , فقال فيمن تولى:(ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم , إلى قوله: ثم يتوب الله من بعد ذلك على من يشاء) , فنزل العفو فيمن تولى بعد يوم بدر.
ومن كتاب ابن المواز , قال: لا يجوز الفرار من المثلين إلا متحرفاً لقتال أو متحيزاً إلى فئة , كما قال الله سبحانه. ولم فئتهم إذا كان على خوف التهلكة والضعف عن قتالهم , وقاله عبد الملك عن مالك.
قال ابن المواز: وإنما الانحياز إلى والي جيشه الأعظم الذي دخل معه , وربما تكوؤن سرية دون سرية , فتنحاز المتقدمة إلى من خلفها ممن يليها , ثم تنحاز إذا جاءهما أكثر من مثليهما إلى من يليهما حتى يبلغ الانحياز إلى الجيش الأعظم وواليهم الأكبر , وقاله عبد الملك , والله أعلم بما يخرج من سخطه. وقال عن مالك: لا يجوز الانحياز إلا عن خوف بين وعن جيش مستطلع وضعف من السلطان , فأما عن أمر متناصف في الغلبة لهم طمع فلا. ولا يكون لأمير الجيش ما يكون للسرايا من الانحراف والتولي عنهم. قال: ولهم سعة أن يثبتوا لقتال أكثر من الضعفين والثلاثة وأكثر من أضعاف كثيرة , وهم يجدون مصرفاً عنهم.
قلت: فإن علموا أنهم مقتولون إن ثبتوا؟ قال: وأحب إلي أن ينصرفوا عنهم إن وجدوا إلى ذلك سبيلاً , فإن لم يجدوا (فلهم أن يقاتلوا حتى يقتلوا. فمن احتسب نفسه على الله فهو شهيد. ومن ثبت حتى قتل وهو يجد) منصرفاً وقد علم أنه إن ثبت قتل , فإنه يرجى له أفضل الشهادة , وإنما الشهادة لمن أيقن