وإن نزل على أن يدلهم على مائة رأس في قرية ويؤمنوه فدلهم على قرية قد كان المسلمون يعرفونها أو رأوا ما فيها , فإن عرف أنه لم يعلم بذلك ولم يغرهم فهي شبهة ويرد إلى مأمنه. وإن كان بذلك عالماً فهو فيء إلا أن يدلهم على قرية أخرى. وإذا وصف لهم مكان القرية ولم يذهب معهم فقد وفي. وكذلك لو ذهب معهم فعرفها المسلمون قبل أن يصلوا إليها.
ولو نزل على أن يدلهم على بطريق بأهله وولده وإن لم يفعل فلا أمان له , فنزل فوجد بطريقاً قد أخذه المسلمون قبل نزوله أو بعد أو عرفوا موضعه ولم يأخذوه فقال: هو الذي وعدتكم , فإن عرف صدقه رد إلى مأمنه. وإن لم يعرف , فهو فيء إلا أن يدلهم على بطريق آخر بأهله وولده لم يعلموا به. فأما إن وصف البطريق الذي شرط أن يدل عليه قبل نزوله المدينة أو الحصن , فلما نزل وجد أنهم قد علموا بذلك قبل نزوله أو بعد , فقد تبين أنه لم يغرهم لأنه شيء بعينه وليس عليه أن يدلهم على غيره , وليرد إلى مأمنه. ولو كان ذلك بغير عينه , فإما دلهم على ما قال وإلا صار فيئاً إلا تتبين براءته فيرد إلى مأمنه. ولو دلهم على قرية كان دخلوها مرة ثم أشكل عليهم الآن مكانها فهي دلالة تامة. ولو نزل على أنه إن لم يدل حل قتله لزمه ذلك.
قلت: لم ذلك وأصل نزوله على أمان؟ قال: قد نزل أهل خبير على النبي صلى الله عليه وسلم على أنهم إن كتموا مالأ , حلت دماؤهم , فظهر على ما كتموه فاستباحهم بذلك. قال سحنون: وإذا قال الإمام لأسير من العدو دلني على حصن كذا وأخليك فدله , قال: يرسل ويوفى له بشرطه , ثم رجع فقال: لا يخليه لهذا , وكأنه فدي الرجل بمال , وإنما له أن يفادي به أساري المسلمين. ولو ضل عن الطريق , فدله علج أسير على أن يطلقه جاز هذا وكانه فادى به المسلمين حين خاف على هلاكهم. وكذلك من ضل عن العسكر فأسر علجاً ثم قال له: دلني على الطريق ونخليك , فذلك جائز ولا يشبه الفداء بالمال , وكأنه فدى نفسه به حين خاف أن يؤسر.