قال ابن حبيب: فما افاء الله على المسلمين بغير إيجاف فليسلك به مسلك الفىء ولا يستأثر به ولى الأمر. ومما أفاء الله على نبيه مما لا يوجف عليه أموال بنى النضير وفدك وبعض خيبر، فلم يجز فيها مغنماً ولا خمساً فكان القضاء فيه له خالصاً، فلم يصرفها صلى الله عليه وسلم ولا حازها لنفسه ولا لقربته ولا خصهم منها بسهم، ونظر فيها بما أراه الله، فكانت لنوائبه ونفقة نسائه وما يعدوه من أمور غير معتقد لشىء منها ولا مستأثر لنفسه ولا لمن بعده، فكان يخرج من غلتها نفقة نفسه وعياله سنةً، ويجعل ما بقى فى الكراع والسلاح، فكان هذا عمله فى غلة قريظة والنضير.
وإما فدك، فجعلها لأبناء السبيل. وإما خيبر فجزأها على ثلاثة، ثلثاً للمهاجرين الذين آخرجوا من ديارهم/وثلثاً لرجال من إلانصار، وثلثاً لفقراء المسلمين. وأراد نساؤه أن يطلبن بعده ميراثهن من ذلك، وظنن أنه ملك له فقالت لهن عائشة: ألم يقل: لا نورث ما تركنا صدقة؟ وقاله لهن أبو بكر فأمسكن. ثم وليها أبو بكر بمثل ذلك، فكان يخرج منها نفقة عمالها، ثم نفقة أزواج النبى صلى الله عليه وسلم، ثم يفرق سائرها فى المسلمين.
ثم وليها عمر بمثل ذلك حتى سأله على والعباس ان يوليها إليهما ففعل على ان يفعلا فيها كما فعل النبى صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر، ففعلا. فكان أزواج النبى صلى الله عليه وسلم يرتزقن منها حتى متن، فمضت صدقةً للمسلمين إلى اليوم ولم يرث أحد منها من ورثة من كان يجرى عليه النفقة منها، ولم يكن لأحد ممن ولى الأمر بعد النبى صلى الله عليه وسلم منها ما كان له، بل كانوا أسوةً للمسلمين. وكذلك ما أفاء الله بعده بغير إيجاف فهو لجميع المسلمين. وكطذلك قال عمر بن عبد العزيز ومالك وأصحابه.
قال ابن حبيب: والسيرة التى مضى عليها أئمة العدل فى قسم الفىء وشبهه أن يبدأ فيسد خلل تلك البلد التى جبى فيها أو أفىء فيه، ويسد حصونه ويزيد فى كراعه وسلاحه، ويقطع منه رزق عمال ذلك البلد وقضاته والمؤذنين ومن يلى شيئاً من مصالح المسلمين، ثم يخرج عطاء المقاتلة الذين دونهم من أهلذلك البلد لجهاد عدوهم، ثم للعيال والذرية وسائر المسلمين على قدر المال، ويبدأ بالفقراء.