قال أصبغ: وينبغي للإمام أن يعزل من قضاته من يخشى عليه الضعف والوهن، أو بطانة السوء، وإن أمن عليه الجور في نفسه، ولا بأس عليه إذا خبره بغير ريبة أن يخبر الناس ببراءته، كما فعل عمر لشرحبيل بن حسنة، وإن عزله عن سخطة، فحق عليه شهرته وإذاعة سخطه.
قال أشهب في المجموعة: وإذا اشتكى من القاضي أنه أراد الحكم على رجل بغير الحق، فينبغي أن يكشف عن ذلك، فإن كان رأيه خطأ، وتبين ذلك لأهل العلم، نهاه عن إنفاذه، وإن خف على الإمام أن يجمعهم في ذلك فعل، وإلا فيقعد معه رجالا من أهل العلم والفقه والصلاح، يأمرهم بالنظر في ذلك، ثم لا ينفرد هو برأيه فيه دونهم، ولا ينفعه أن يقول: قد كنت حكمت قبل إقعادكم معي للنظر في هذا لأنه مدع، وصار الحجر بينه وبين مشكيه، إلا أن يقيم بينة أنه/ قد كان حكم في ذلك قبل إجلاسهم معه، فينظر فيه الإمام، فإن كان ما فعل حقا لا اختلاف فيه، أو فيه اختلاف من العلماء، أمضاه، وإن كان خطأ لا اختلاف فيه، فسخه، ولا يجوز أن يحكم فيه النظار بشيء معه، ولهم أن يرفعوا إلى الإمام ما رأوا من ذلك، فيكون هو القاضي له والمنفذ له، ولمطرف في كتاب ابن حبيب نحوه.
قال ابن حبيب: قال مطرف في القاضي يشتكي في قضية حكم بها، فإن كان عدلا مأمونا بصيرا بالقضاء، فلا يعرض له فيه الأمير، ولا يقبل فيه شكية، ولا يتعقبه بنظرالفقهاء، وإن كان متهما في أحكامه، أو غير عدل، وجاهلا، فليعزله، قال: فإن جهل الأمير في العدل، فأجلس الفقهاء فتعقبوا حكمه، وجهلوا هم أو أكرهوا، فنظروا فيه، أو فسخه ففسخه الأمير، قال: فلينظر الحكم الأول؛ فإن كان صوابا لا اختلاف فيه، أو فيه اختلاف من العلماء: فحكمه ماض، والفسخ باطل، وإن كان الأول خطأ بينا أمضى، فسخه، ولو كان الحكم الأول خطأ بينا، عرف عن القاضي مالا ينبغي، فللفقهاء حينئذ النظر؛ فإن تبين خطؤه ردوه، وإن اختلفوا عمل على الأصوب من اختلافهم، وأشبه بالحق، وأنقذوه، وإن قل قائلوه [٨/ ٨٩]