ولو عجز خصم الغائب عن مطلبه، واستقصى الغائب حجته،/ فلم يأت بوجه حق، فلا يقضى للغائب عليه؛ إذ لعله لو حضر، أقر له، ولكن إذا قدم الغائب، خاصمه، فإن عجز، حكم عليه حينئذ، وإن خاصم عند قاض غيره، أو جاء بحجة غير الأولى، ابتدأ الخصومة في ذلك. وإن قال الطالب: غيبة خصمي بعيدة، يستحق أن يقضى عليه فيها: كلف البينة على ذلك.
وقال ابن الماجشون: إن علماءنا بالمدينة وحكامنا أنه يقضي على الغائب في الرباع وغيرها، وأنكر رواية ابن القاسم في الرباع، ولكن يحكم عليه بقدر ضرب الأجل بقدر مسافة البلد الذي هو به، والآجال في الدين أطول منها في الربع، ولو حضر فضربت الآجال في الدين لما يطلب من البراءة والمخرج، وأرى أن يحضر ذلك وكيله، فإن لم يكن وكيل، فالرجل المعني به من أهله، أو الصديق، أو الصاحب ممن يستنيم إليه، وهذا من الإعذار في أمره، فإذا استقصى ذلك، قضى له عليه، ويضرب الأجل بقدر بعد موضعه، ويكلف الطالب البينة على ذلك، ولو جاء في ذلك بالأمر غير القاطع، أو أن كتابه جاء من موضع كذا، واستغلا ذلك وكثر، ضرب له الأجل بقدر ذلك، وإن أعياه علم أمره بعد الاستياء وضرب الآجال على أطراف البلد وأقاصيه حيث يتوجه السفر، لا يضرب فيه إلى جهة الصين، وما لا وجه له.
قال محمد بن عبد الحكم: يقضى على الغائب في جميع الأرض، والنخل، والدور، وغيرها، والذي يقضى له بغيبته، فإن أبى ما ينقصه، كان منع أمرا قد غيب وتلف، والربع قائم لا يزول، وقد قال/ مالك: يقضى على الغائب. ولم يستثن. وقال: لا يقضى عليه في الربع. وقد قال أشهب في دار بيد غائب، فادعى رجل أنه وارثها مع الغائب، فإن كان حوزه إياها قريبا بموت أبيه منذ سنة [٨/ ٢٠٢]