وقال ابن القاسم: ولا يقيم للغائب وكيلا في إقامة حجة الغائب في الطلب له، أو الدفع عنه؛ لأنه لو حكم على من أقامه، لم يلزم الغائب. وللغائب أن يأتي بحجة فلا يعارض من ذلك في يديه؛ إذ لعل الغائب يقر له، وهو لو قضى للحاضر ثم جاء الغائب، لأثبتوا الخصومة في ذلك. قال: وإذا كان من رفع ذلك إلى الإمام خاف هلاك الحق بموت الشهداء، فلا يأمن أن يأذن له الإمام في القيام، ويأتيه بالبينة فيسمعها ويقبلها إن كانوا عدولا، ويكتب ذلك، وأنه قبلهم، ويطبع على الكتاب ويشهد بينة على ذلك وعلى قبوله منهم لعدالتهم عنده. فإن جاء الغائب أو وكيله بعد موت البينة، قام بذلك إن شاء، واكتفى/ بما تقدم من شهادتهم، وحكم بذلك، وإن كان القاضي قد عزل أو مات، فعلى القاضي بعده أن يقبل في ذلك الكتاب البينة أنه كتاب القاضي الأول، وأنه قبل البينة فيه، وينفذ ذلك الثاني، ولم يسأل الطالب أو وكيله تعديلهم، واكتفى بما تقدم.
قال ابن حبيب عن مطرف، فيمن قام على غريم لأبيه، وأبوه غائب، قال: قال مالك: يمكن الابن من إيقاع البينة عليه. قال مطرف: فإذا سمع البينة وقبلها، أمر الغريم بإحضار المال، فإن كان الإبن وكيلا قد ثبتت وكالته، أو كان مفوضا في أمور أبيه والقائم له، دفع إليه المال، فإن لم يكن كذلك، أوقفه الإمام للغائب، وضرب له أجلا، فإن جاء وطلبه، أخذه، وإن لم يطلبه، وقال: قد كنت تقاضيته، رد على الغريم، وإن لم يأت للأجل، رد المال للغريم أيضا، وهذا إن كان موضع الأب قريبا، فأما إن كان بعيدا، لم يوقف له شيء، ولم يعرض للغريم إلا بتوكيل يثبت للولد، أو بتفويض إليه من امور أبيه. ولو أن الغريم مقرا بذلك، ترك ولم يفوض له، قربت غيبة الأب أو بعدت، إلا بوكالة.
قال: وإن جحد فأقام الابن عليها شاهدا، وعجز عن آخر، قال: يحلف الغريم أنه برئ من هذا الدين، فإن حلف ترك التعرض له، فإن قدم الغائب فحلف مع شاهده، اتبعه بهذا الحق، وإن نكل، فعن حقه نكل، وإن نكل الغريم [٨/ ٢١٥]