قال ابن القاسم: وإذا ادعى القاتل بينة غائبة على العفو، تلوم له الإمام.
قال أشهب: إن كانت بينة قريبة، حبس في العبد، ويضرب له أجلا في بينته، فإن كانت بينته بعيدة، لم ينتظر، ويقتل إن شاء الولي، أرأيت إن قتله بالصين، وادعى بينة بالأندلس، أيؤخر؟ لا أرى أن يؤخر وتطل هذه الدماء والحدود والحقوق، فلا يؤخر إلا في القريب.
قال ابن القاسم: وإذا تواضع الخصمان حججهما، فيقول لهما القاضي: اجتهدا، فلا أقبلكما. ويكتب حججهما، ثم يريد أحدهما أن يتحول عن حجته إلى آخر، فإنه يقبل منهما ما لم يستوعب كشفهما عن منافعهما، فإذا قالا: ليس عندنا إلا ما وضعنا عندك من بينة وحجة فإذا بلغت إلى هذا، لم لأحدهما عن حجته ملدا وأراد غيرها، وجاء ببينة وقد كان عجز نفسه، فإذا رأى أنها كانت غائبة، لم يعرف موضعها، فليقبل منه، وأما على غير ذلك، فلا يقبل منه، وحكم عليه.
قال ابن القاسم وهو لمالك: وسأل حبيب سحنونا عن رجلين في دار تجمعهما سقيفة واحدة، عليها باب، ولكل واحد باب فيه إلى مسكنه، فادعى أحدهما أن صاحبه قدم بابه إلى موضع لم يكن فيه، فأنكر ذلك الآخر، / وأثبت ذلك عله بالبينة بعد خصومة طويلة، فلما لاح الحكم عليه، برد الباب إلى موضع كان، كما شهدت له البينة أن الدار التي هو بها ليست له، وأنه باعها من فلان الغائب من قبل الخصومة، قال: لا يقبل قوله، وليحكم عليه حتى يأتي من يدعي ذلك، ويقيم البينة، فيخاصم حينئذ المدعي، وإن كان باعها بعد أن شرع في هذه الخصومة، فهو بيع فاسد؛ لأنه خطأ. [٨/ ٢٢٣]