الحق، ولو رجع جميع الناقلين، وثبت المنقول عنهم، فإن كانوا عدولا ممن يقبل يوم رجع الناقلون، فالحكم ماض ولا غرم على الراجعين، ويصير كرجلين شهدا على حق فقضي به ثم رجعا، فلما رجعا أتى غيرهما عدلان فشهدا بذلك الحق، فذلك يرفع الغرم عن الراجعين، ويوجب على الجاحد الحق وكأنه أقر بما شهدوا به عليه.
قال: وإن كان المنقول عنهما اللذان ثبتا على الشهادة بعد رجوع الناقلين، هما يومئذ ممن لا يقبل، فعلى الراجعين ضمان ما أتلفا، وإذا نقلا الشهادة عن غائبين، أو شهدا على خطهما بشهادة، ولم يشهدا هما فقضي القاضي بذلك، ثم رجع الناقلون للفظ، أو على الخط، فإنهما يضمنان، ولا ينفعهما أن يقولا للحكم: توقف عنا، فلعل من نقلنا عنه لو شهدنا على خطه يعدم فيحق من شهادته ما يزيل الضمان عنا، أو يأتي غيرهما فيشهد به فلا يؤخرا بالغرم لهذا.
ولو قدم المشهود على كتابهما فقالا: ما كتبنا ذلك، ما ضر ذلك الحكم ولا نقضه، وهو كمن شهد على شهادتهما ببينة، ثم قدم المنقول عنهم فقالا: شهد علينا بزور، فذلك كله لا يضر شيئا. قال / أبو محمد: انظر ما معنى هذا، وقد قال في أول الكتاب إن الحكم ينتقض في تكذيب المنقول عنهم للناقلين، ولو قالا: شهدنا وكتبنا وكان ما كتبنا زورا، ولم نشهد عليه أحدا، وقد كنا رجعنا عنه، ولا وقع في قلوبنا أن أحدا يعرف كتابنا، ولا شهدا علينا، فلا شيء عليهما من الغرم.
قال أبو محمد: انظر أراه إنما هذا في نقل خط الشاهد، لأن فيه اختلافا هل يقصى به؟ وأكثر أقاوين أصحابنا: أنه لا يقضى به حتى يقولوا لهم: انقلوا عنا، فإنه إذا قال: نسينا كتابنا، لم يضرا الحكم، والصواب أن ذلك كله سواء، وينتقض الحكم، أنكر الشهادة أو الكتاب، وفي أول الباب: أن الحكم ينقض في إنكارهم للشهادة. [٨/ ٤٧٥]