فيتمادى، فليأتنفْ حُكْمَ السفر من وقت بَدَا له أن يدخلها، فإن لم يكن رجع إلى الإتمام بما نوى من دخولها فهو على التقصير باقٍ، وإن أتَمَّ من وقت نوى دخولها؛ لأن مسافتها من أَوَّل سفره أقلُّ من أربعة بُرُدٍ، فهذا على التمام، إلاَّ أن يبقى إلى غاية سفره أربعة بُرُدٍ فليقصرْ.
ومن خرج من الإسكندرية إلى الفسطاط، فسار بريدين، ثم نوى أن يَعْدِلَ إلى قريته يُقيمُ بها أربعة أَيَّام، وهي على ثلاثة بُرُدٍ من الإسكندرية، فَلْيُتِمَّ من حين نوى ذلك، وإن كانت على أربعة بُرُدٍ قصر حَتَّى يدخلها.
وإذا نزل بقرية في طريقه، فنوى المقام بها ما يُتِمُّ فيه، فأتمَّ ثم خرج، فإن بَقِيَ إلى بقيَّة سفره أربعة بُرُدٍ قصر، فإذا قصر بعد ميلين عنها، ثم رجع إليها في حاجة فليقصرْ، هذا في رجوعه وفي دخوله فيها، حَتَّى ينوي المُقامَ بها ما يُتِمُّ فيه إلاَّ أن يكون بها أهْلُه، وهذا الذي أخذ به من اختلاف قول مالك في هذا، وبه أخذ ابن القاسم، وأصبغ. واختَلَفَ قول مالك في الذي أقام بمكة أربعة أَيَّام ثم عاد إليها، واختار ابن الْمَوَّاز أن رجوعه إليها بخلاف رجوعه إلى وطنه. وذهب في الذي يخرج إلى سفر الإقصار، وينوي أن يُقيمَ في طريقه أربعة أَيَّام، وليس بوطنه، فجَعَلَ ذلك كوطنه، في مُرَاعاته لمسافته من أَوَّل خروجه، ومراعاته لبقيَّة سفره بعد الظعن من ذلك الموضع. وقال عبد الملك، وسَحْنُون: إنه يَقْصُرُ على كلِّ حالٍ، إلاَّ في مُقامه حيث أقام. وجعلاه يعود على أَوَّل سفره، ولا يتغَيَّرُ حالُه إلاَّ في موضعٍ أقامَ فيه فقط، فإذا زايَلَه عادَ على أصْلِ سفره. وقد تقدَّمَ هذا في باب قد مضى.
ومن المجموعة قول ابن نافع عن مالك، في حَاجٍّ أقام بمكَّة يُتِمُّ، ثم خرجَ إلى منى وعرفة فقصر، ثم عاد إليها يريد بها إقامةَ يوم أو يَوْمَيْنِ، ثم يسير إلى بلده، قال: يُتِمُّ بها، ولو كان لمَّا صَدَرَ لم يُرِدْ أن يُقِيمَ بها، فَلْيَقْصُرِ الصلاة إن مَرَّ بها.