هذا فيه رخصة وتركه أفضل، ولم يجعل في الضرورة حلالا كما جعلت الميتة ولحم الخنزير حلالا، وبينها حرم الخمر بالنهي، فإذا جاءت الضرورة صار مثل ما لم ينه عنه، والكفر لا يحل في حال من الأحوال، وإنما فيه رخصة في الضرورة قولا بلسانه، وقلبه مطمئن بالإيمان، وكذلك القذف فيه وخصة في الضرورة.
قال سحنون: وإذا لم يفعل ما أكره عليه من شرب الخمر/وأكل الخنزير حتى قتل وسعه ذلك، وكان مأجورا كالكفر والقذف يكره عليهما، قال محمد: لأن الله أباح له الكفر بضرورة الإكراه، وأبا ح له الميتة ولحم الخنزير بالضرورة إليهما، وأجمعنا أن له ترك الرخصة في قول الكفر، فكذلك يلزم مخالفنا أن يقول: له ترك قبول الرخصة في الميتة ولحم الخنزير، ولا يكون معينا على نفسه، وأما قولهم إن الكفر والقذف لم يجعل حلالا في الضرورة، وإن الميتة حلال في الضرورة، فقد أفسدوا هذه العلة بقولهم معنا في المكره بوعيد بقتل أو قطع، على أن يأخذ مال فلان فيدفعه إلى المكره له: إنه في سعة في ذلك، لأنه كالمضطر، ويضمن الآمر ولا ضمان على المأمون، وإن أبى أن يأخذه حتى قتله، كان عندنا في سعة، قالا جميعا: وكذلك لو أمره بذلك أمرا وهو يخاف إن لم يفعل ناله ما وصفنا، قال غيرنا: ولم يتهدده: أنه من ذلك في سعة إن فعل، وقال غيرنا: إذا أكره بتهديه بقتل أو قطع عضو أو ضرب يخاف منه التلف على أن يقذف مسلما ففعل.
رجونا أن يكون في سعة، وهذا من القول كما لو أكره على القول بالكفر أو شتم النبي عليه السلام، ولم يقل الكفر ولا يشم النبي عليه السلام حتى قتل كان مأجورا.
قال محمد، وقال سحنون وغيره من أصحابنا: إذا أكره بوعيد بقتل أو قطع عضو، أو بضرب يخاف منه تلف بعض أعضائه ولا يخاف تلف نفسه، أو بقيد أو بسجن على أن يكفر بالله أو يشتم/النبي عليه السلام أو يقذف مسلما لم يسعه ذلك، وإنما يسعه ذلك عم خوف القتل لا بغير ذلك وله أن يصبر حتى يقتل ولا يفعل ذلك وهو مأجور وهو أفضل له.