للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولما كان الحد فيمن سب النبي صلى الله عليه وسلم من المسلمين القتل، ولا يجوز أن يساوي بين حرمته وحرمة غيره من أمته. فإذا ثبت هذا لابد من التفاضل بينه وبين أمته فيمن سبه من أهل الذمة أو سبه مسلم. فكان حده القتل في المسلم والذمي.

فإن قيل: فلم قتلتم الذمي بذلك، ومن دينه سب النبي صلى الله عليه وسلم وتكذيبه؟ قيل: إنا لم نعطهم العهد على ذلك ولا على قتلنا وأخذ أموالنا، فلو قتل واحداً منا لقتلناه وإن كان ذلك من دينه استحلالاً لدمائنا، فكذلك سب النبي صلى الله عليه وسلم إذا أظهره.

قال سحنون: وكما لو بذل لنا أهل الحرب الجزية على أن نقرهم على إظهار سب النبي صلى الله عليه وسلم لم يجز في قول قائل ذلك، وجاز لنا حربهم، دل ذلك على أن العهد ينقض بيننا وبينهم بسبهم للنبي صلى الله عليه وسلم، ويحل لنا دمهم كما يحل لنا دم من بذل لنا الجزية على ذلك، ولم يوجب لهم ذلك الكف عن دماءهم في قول الله تعالى (حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون) (١) فكما لم تجب لهم الذمة على هذا، فكذلك تنقض الذمة إذا .. (٢) ولو حصنته الذمة من القتل بسبه النبي صلى الله عليه وسلم لحصن المسلم إسلامه من القتل على ذلك، وليس لك حجة بأن ذلك من ديانة الذمي، كما أن من ديانته قتلنا، فإذا قتلنا زالت ذمته.

فإن قال قائل: فهو إذا أسلم وقد سب النبي صلى الله عليه وسلم تركتموه، وإذا أسلم وقد قتل مسلماً قتلتموه؟

قلت لأن هذه من حقوق العباد لا تزول بإسلامه، وذلك من حقوق الله تزول بالتوبة من دينه إلى ديننا (٣).


(١) الآية ٢٩ من سورة التوبة.
(٢) كلمة مطموسة.
(٣) هنا في ف إقحام فقرة عن قضية الراهب الذي ذكر عند ابن عمر. وقد تقدمت.

<<  <  ج: ص:  >  >>