جبريل - عليه السلام - بالرجم، وقال له: إن أبوا أن يأخذوا به، فاسألهم عن رجل منهم يقال له:" ابن صوريا " - وصفه له - فاجعله بينك وبينهم، فقال لهم رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " نَعَمْ، أَجِدُ فِيمَا أَنْزلَ اللهُ عَلَيَّ: أَن الزانِيَةَ وَالزانِي إِذَا أُحْصِنَا وَفَجَرَا؛ فَإِنَّ عَلَيهِمَا الرجْمَ "، فنفروا عن ذلك؛ فقال لهم رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " أَتَعْرِفُونَ رَجُلاً شَابًّا صِفَتُهُ كَذَا، يُقَالُ لَهُ: ابنُ صُوريا؟ " قالوا: نعم، قال:" فَأَيُّ رَجُلٍ هُوَ فِيكُم؟ " قالوا: هو أعلم يهودي على وجه الأرض بما أنزل اللَّه على موسى، قال:" فَأَرْسِلُوا إِلَيهِ " ففعلوا؛ فأتاهم ابن صوريا، فقال له رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " أَنْتَ ابْنُ صُوريا؟ " قال: نعم، قال:" وَأَنْتَ أَعْلَمُ اليَهُودِ؟ "، قال: كذلك يزعمون، قال:" اجْعَلُوهُ بَيّنِي وَبَينَكُم " قالوا: نعم، رضينا به إذا رضيت، قال: فقال رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -: " فَإِني أَنْشُدُكَ باللَّه الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَا هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ التَوْرَاةَ عَلَى مُوسَى: هَلْ تَجِدُونَ فِي كِتَابِكُمُ الَّذِي أَتَاكم بِهِ مُوسَى فِي التوْرَاةِ: الرجْمَ عَلَى مَنْ أُحْصِنَ؟ "، قال ابن صوريا: نعم والذي ذكرتني، ولولا خشية أن تحرقني النار إن كذبت أو غيرت ما اعترفت لك.
ففي هذا وجوه من الدلائل:
أحدها: أنه سألهم عما كتموا من الأحكام والحقوق التي بينهم وبين اللَّه تعالى؛ ليظهر خيانتهم وكذبهم فيما كتموا من نعت رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وصفته؛ ليعلموا أنه إنما عوف ذلك باللَّه، وفيه إثبات رسالته.
والثاني: أنهم طلبوا منه الرخصة والتخفيف في الحد؛ لأنهم عرفوا أنه رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، لكنهم كابروا في الإنكار بعدما عرفوا أنه رسول اللَّه حقًّا.
وفيه دلالة جواز شهادة بعضهم على بعض؛ لأنه قبل شهادة ابن صوريا عليهم حيث شهد بالرجم.