قال سحنون: وإذا رفع إليك حكم من هذا، ولم تعرف البينة التي حكم بها، فلا تنفذ للمحكوم له حكمه حتى يظهر له أنه حكم له بالعدل، وبأمر صحيح، وإلا فليأتنف النظر فيه، قال: وإذا حكم المستخرج بقوم عدول، فلينظر فيه من بعده ويتعقبه، فإن ظهرت صحته، وأن العدل لم يكن يحكم إلا بمثله، فليمضه. وهو نحو جواب مالك إلى ابن غانم، في أحكام مانع بن عبد الرحمن.
وكتب إليه شرحبيل بن يحيى/ قاضيه، أن رجلا يقال له: هارون بن فلان، أتاه يدعي أن عبد الله حثمال أنه كان قاضيا، وكان عزل على الجور، أمره بدفع ثلاثة دنانير إلى يزيد بن فلان، وجاء ببينة أقر عندهم بعد عزله بذلك، وأنه قبضها منه يزيد، قال هارون: وكان ابن حثمال قد دفع إليه قبل ذلك ثلاثة دنانير، ذكر أنها لعصبة رجل آخر، فلما قامت هذه البينة، قال ابن حثمال: هي تلك الدنانير التي كنت أعطيتك، فكتب إليه: أن أأمر يزيد بقبض الدنانير، فأمره بردها إلى هارون، إلا أن يأتي بحجة يستوجبها بها، وإن لم يقر فليؤدها ابن حثمال؛ لأنه أقر أنها لعصبة رجل آخر.
وكتب إليه: كل ما رفع إليك من حكم ابن حثمال، قد أشهد به ليس عند الشهود إلا الشهادة على لفظه أنه حكم به، فلا تجزه؛ لأنه كان معروفا بالجور والظلم، وأنه ليس من أهل العدل.
قال محمد بن عبد الحكم: وإذا لم يكن القاضي مأمونا على الحكم، فحكم بحكم فأتى القاضي الذي بعده عدلان، فشهدا أن الشهود الذين قضي الأول بشهادتهم قد شهدوا عنده بهذه الشهادة، وأنهم عدول، وكان حكم فيها ليس بجور، أجازه، وإن كان فيه اختلاف من الناس، ولم يكن هذا الثاني يراه، فلينفذه؛ لأنه قد حكم بغير جور.
قال أشهب في المجموعة: فإذا قضى القاضي، وليس فيه من الخصال الخمس التي ذكرنا قبل هذا، فقضاؤه نافذ ما لم يتعمد جورا، ويقضي بما لا سلف له فيه مما لا يشك في خطئه، وقد أساء فيما تعرض/ من هلاك نفسه. [٨/ ٩٢]